إذا تحب ويكي إسلام فيمكنك التبرع هنا الرجاء ان تدعم المسلمين السابقين في أمريكا الشمالية فهي المنظمة التي تستضيف وتدير هذا الموقع تبرع اليوم

الحجازية القديمة

من ویکی اسلام
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

من المُسَلَّم به لدى المسلمين والأكاديميين الغربيين أن الحركات الإعرابية القصيرة في أواخر الكلمات هي جزء أصيل من لغة القرآن ولغة العرب المحكية في الجاهلية وفي قرون الإسلام الأولى، وينعكس هذا الاعتقاد جلياً في الكيفية التي يتلو بها المسلمون القرآن ويقرأون الحديث، وكذلك ينعكس في الأفلام والمسلسلات التي تدور أحداثها في تلك الحقبة مثل فيلم الرسالة والذي فيه يتحدث الممثلون بالحركات الإعرابية وينطقون كل الهمزات. وهذا الاعتقاد يعززه أيضاً ادعاء علماء المسلمين بأن القراءات العشر بما فيها قراءة حفص – وهي الشائعة بين المسلمين اليوم – قد وصلتنا بأدق تفاصيلها بالتواتر عن الرسول، وتتفق القراءات العشر على استخدام الحركات الإعرابية القصيرة ولكن تختلف في درجة نطق الهمزات، وقراءة حفص هي من أكثر القراءات العشر نطقاً للهمزة، ولشيوع قراءة حفص في القرون الأخيرة صار نطق الهمزة في كل الكلمات من سمات العربية الفصحى.

ولكن الدراسات الأكاديمية الحديثة، والتي تصدرها الباحثان أحمد الجلاد ومارين فان بوتن، أثبتت أن لغة القرآن وأهل الحجاز قد خلت من خاصيتين رئيسيتين من خصائص الفصحى: الحركات الإعرابية القصيرة، والهمز. وقد توصل الباحثان لهذه النتيجة من خلال:

1- النصوص العربية العائدة لقرون الإسلام الأولى والمكتوبة بأحرف غير عربية؛ حيث أظهرت النصوص العربية المكتوبة بأحرف يونانية أظهرت غياب الحركات الإعرابية القصيرة نظراً لأن الأبجدية اليونانية تكتب الحركات القصيرة على خلاف الأبجدية العربية، وأظهرت هذه النصوص أيضاً غياب التنوين. أما النصوص العربية المكتوبة بالعبرية فقد أظهرت غياب التنوين لعدم كتابة النون، وأظهرت كذلك غياب الحركات الإعرابية القصيرة؛ فعلى الرغم من أن الأبجدية العبرية هي كالعربية لا تكتب الحركات القصيرة، إلا أن غيابها يمكن في النصوص العبرية يمكن استنتاجه من عدم وجود أي حالة كُتبت فيها التاء المربوطة كتاء (حين تكون الكلمة غير مضافة) لأن التاء المربوطة في غير الإضافة لا تنُطق في الفصحى تاءً إلا إذا لحقتها الحركة الإعرابية.

2- دراسة رسم المصحف واستنتاج خصائصه اللغوية بشكل مستقل بعيداً عن الافتراض المسبق بأنه مكتوب بالعربية الفصحى. وقد تبين أن الخصائص اللغوية المستنتجة تطابق خصائص النصوص العربية المبكرة المكتوبة باليونانية والعبرية.

أطلق الباحثان على اللغة الأصلية للقرآن وأهل الحجاز اسم "الحجازية القديمة".

خصائص الحجازية القديمة

1- غياب التنوين وغياب الحركات القصيرة (الضمة والفتحة والكسرة) في أواخر الكلمات،[١] باستثناء حالة الإضافة حيث تظهر فيها الحركة الإعرابية لأن إضافة كلمة على أخرى تحولهما إلى وحدة واحدة فتصبح الحركة الإعرابية كأنها ليست في آخر الكلمة بل في وسط الوحدة؛ فمثلا: "هذا بيتٌ جميل" في الحجازية القديمة تصبح: "هذا بيتْ جميل". أما "هذا بيتُ زيد" فلأن "بيت" هنا هي مضافة فإن الحركة الإعرابية تظهر عليها: بيتُ زيد، أو كما في الآية: مالكِ يومِ الدين. ومن هذا الباب أيضاً فإنه حين يتصل ضمير بآخر الكلمة سواء كانت الكلمة اسماً أو فعلاً فإن الحركة القصيرة في آخر الكلمة تظهر كما نجد في بردية دمشق العائدة للقرن الهجري الثالث حيث كُتبت "منحوتاتهم" و"أوثانهم" بالإعراب  manḥūtātihum, awthānihum  .

2- التاء المربوطة لا تُنطق تاءً إلا في حال الإضافة فقط كما هو الحال في اللهجات العامية: "رحمةٌ من الله" تصبح: "رحمهْ من الله". أما "رحمةُ الله" - أي بالإضافة - فتنطق كما في الفصحى: رحمتُ الله.

3- الاسم المنوَّن المفتوح يُنطق آخره بالألف (الفتحة الطويلة)؛ فمثلاً "قرأتُ كتاباً جميلا" تصبح: "قرأتْ كتابا جميلا" .

4- إعراب الأسماء الخمسة والأفعال الخمسة والجمع المذكر السالم والمثنى كله يُعرب كما في الفصحى: "المعلمون هنا"، "رأيت المعلمين"، "معلمو المدرسة كثيرون"، "رأيت أبا زيد"، "مررت على أبي زيد"، "هذا أبو زيد" ... إلخ. يُستثنى من هذا أن نون المثنى والجمع رغم أنها تُحذف في الكتابة عند الإضافة لكنها تنطق في الكلام كما في البردية التي كُتبت فيها بالعربية "شهري ربيع" في حين كُتبت باليونانية بالنون: شهرين ربيع.

5- هاء الغائب إذا لم يتصل بها شيء فإنها ساكنة ولا تلحقها الحركات الطويلة (الواو أو الياء)؛ فمثلاً "بيته جميل" تُنطق بالفصحى هكذا: "بيتُهو جميل"، أما في الحجازية القديمة فهي تنطق: "بيتُهْ جميل".

6- هاء الغائب إذا اتصل بها شيء فإنها مضمومة دائماً ولا تتحرك بالكسر؛ فمثلاً كلمة "عليهم" تُنطق بالفصحى بكسر الهاء "عليهِم"، ولكن في الحجازية القديمة فإنها تنطق: "عليهُم". وهذه الخاصية مطابقة لوصف النحاة للغة قريش.

7- في بردية دمشق فإن همزة الوصل في الأفعال تنطق بالفتح: "فامتنع" كُتبت باليونانية "فأَمتنع" φααμτεναγ faamtenag .

8- في بردية دمشق لا وجود للام الشمسية، أي أن لام "أل" التعريف لا تُدغم بأي حرف، كمثال: "الرب" مكتوبة في البردية: أَلْرَبْ alrab وليس arrab .


الخصائص الصوتية:

1- الهمزة لا تنطق إلا في حالتين: إذا كانت الهمزة في أول الكلمة وكانت هذه الكلمة هي أول ما يُنطق به من الجملة (الابتداء). وهذه الخاصية مطابقة لوصف النحاة الأوائل للغة قريش. الحالة الثانية التي تنطق فيها الهمزة هي الهمزة المتطرفة الساكنة المسبوقة بفتحة طويلة (الألف) كما في: سماء. وهذه الحالة مُستَنتجة من فواصل (سجع) رسم المصحف وهي غير مطابقة لوصف النحاة للغة قريش؛ فوفقاً لهم لا تنطق قريش أي همزة إطلاقاً إلا في أول الكلمة المبتدأ بها.

2- الألف المقصورة المرسومة ياء (ى) تنطق بالإمالة، أي بما يماثل النطق العامي للياء في كلمة "بيت". ويُستثنى من ذلك بعض الكلمات مثل: حَتَّى وَإِلَى وَعَلَى. وهذا النطق مبني أولاً على رسم المصحف حيث نلاحظ فيه تتابع فاصلة (سجع) الألف المقصورة دون دخول فاصلة الألف عليها في غالب الأحيان، ومبني ثانياً على البرديات العربية-اليونانية من القرن الهجري الأول حيث تُكتب الألف المقصورة بحرف E بدلاً من A .

3- الضاد لا تنطق دالاً مفخمة كما هي في الفصحى اليوم بل تُنطق شبيهة بالظاء.

4- على خلاف ما يعتقد جمهور علماء الصوتيات العرب اليوم، فإن النطق القديم للقاف والطاء هو مماثل لنطقهما الحديث في الفصحى كما بينت البرديات العربية القديمة المكتوبة باليونانية حيث يتم تمثيل الطاء بالتاء والقاف بالكاف، أما البرديات العبرية فتمثل الطاء بالطاء العبرية والقاف بالقاف العبرية.

5- الألفات المكتوبة بالواو في رسم المصحف مثل "الصلوة" و"الزكوة" تُنطق بالتفخيم أي بما يشبه حرف O  الإنجليزي، أو النطق العامي للواو في كلمة "فوق".

فرض الفصحى على النصوص القديمة

مقتطفات من كتاب أحمد الجلاد The Damascus Psalm Fragment:

((لم يعتمد النحاة العرب في وصفهم للغة على المواد المكتوبة ولا على قواعد المدارس الإملائية، بل اعتمدوا على المصادر الشفوية: لغة أفراد القبائل العربية خاصة ممن يصفهم النحاة بأنهم "تُرتضى عربيتهم"، وكذلك اعتمدوا على شعر هذه القبائل المنقول شفاهياً. وعلى الرغم من أن النحاة لم يوضحوا معاييرهم لمن ترتضى عربيته ومن لا ترتضى، فإنه من الآمن أن نفترض أنهم قصدوا اللهجات أو الأشكال التي تحتوي على نظام إعرابي كامل. وعلى الرغم من بعض الأصوات المشككة، فإن معظم المتخصصين يعتبرون المواد العربية التي جمعها النحاة تمثيلاً صادقاً لأشكال مختارة من اللغة المحكية في القرنين الهجريين الثاني والثالث. واعتُبرت هذه اللغة التي جمعها النحاة ممثلة للغة القبائل العربية ليس فقط في القرنين الثاني والثالث، بل اعتبرت ممثلة للغة القبائل منذ بدء الزمن، ولم تتغير هذه اللغة إلا مع الفتوحات وتعلم غير العرب لهذه اللغة. وفقاً لهذة النظرة فإن هناك نوعين فقط من العربية: عربية ما قبل الإسلام، وهي العربية النقية ذات النظام الإعرابي الكامل، وعربية ما بعد الفتوحات الناتجة عن تعلم غير العرب للعربية، والتي تتميز بالنطق غير المثالي ونقصان الالتزام بالقواعد.

إن الباحثين المعاصرين يعتبرونها من المسلمات أن لغة النحاة هي لغة قديمة تسبق الإسلام وتحدث بها جميع العرب، ولذلك فإن الكتابات العربية المبكرة كبرديات القرن الأول الهجري وبداية القرن الثاني، والقرآن الذي أقدم مخطوطاته تسبق أعمال النحاة بأكثر من قرن، هذه الكتابات العربية المبكرة تتم قراءتها وفقاً لمعايير متأخرة كثيراً عن زمن هذه الكتابات. إن الناظر لهذه الكتابات المبكرة سيلاحظ اختلافات مهمة بين النطق الشفوي وبين النص المكتوب. فمثلاً؛ كلمة "ملىكه" الواردة في الآية السادسة من سورة التحريم، جميع القراءات القرآنية تقول بأنها تنطق: ملائكتُن. وفي حين أن تراث القراءات القرآنية يعود أقدم جزء منه إلى منتصف القرن الثاني الهجري ويعود معظمه إلى أواخر القرن الثاني وبداية الثالث، فإن الصيغة الكتابية "ملىكه" العائدة للقرن الأول لا تحتوي على الجزء الأخير "تُن". وعلى الرغم من أن الصيغة المكتوبة هي أقدم من صيغة تراث القراءات، فإن الصيغة الشفوية هي المسلم بها، ويتم تفسير اختلاف الصيغة الشفوية عن الصيغة الكتابية بأنه ناتج عن اتباع العرب الأوائل لقواعد إملائية معينة. ولهذا تجد معظم الباحثين اليوم يعتبرون لغة رسم المصحف مطابقة للغة التلاوات التي تتلى في جماعة الأزهر. فقط مؤخراً بدأ التعامل مع رسم المصحف كنقش أثري مستقل نستنتج منه وحده خصائصه اللغوية بدلاً من افتراضها مسبقاً، وهذا أدى إلى تصور مختلف جداً حول اللغة الأصلية للقرآن.

وبنفس طريقة تعامل الباحثين المعاصرين مع القرآن، فهم أيضاً يقومون بفرض القراءة العربية الفصيحة (لغة النحاة) على النقوش العربية القديمة التي تسبق الإسلام، مما يعطل أي محاولة لفهم العربية في مراحلها المبكرة.

إن الدراسة المتأنية للنقوش العربية  القديمة تكشف صورة مختلفة تماماً عن الصورة التي تقدمها المصادر التاريخية الإسلامية؛ حيث لا نجد أثراً لعربية النحاة، بل تقدم الجزيرة العربية درجة محيرة من التنوع اللغوي. إن اللهجات العربية القديمة تختلف بأشكال غير مسجلة لدى النحاة، في حين تغيب عنها خصائص رئيسية من عربية النحاة، كالتنوين الذي لا نجد له أثراً في كتابات اللغات السامية الجنوبية ولا في النقوش العربية-اليونانية. وفي حين أن غياب تمثيل التنوين بحرف النون في الكتابة العربية يتم تفسيره على أنه عادة إملائية، فإن هذا التفسير لا يصلح حين تُكتب العربية بأبجديات أخرى كاليونانية وغيرها من الأبجديات الموجودة قبل ظهور الأبجدية العربية نفسها. وكل هذا يعني شيئاً واحداً: أن التنوين قد فُقد في معظم اللهجات العربية القديمة.))

النقوش والبرديات الأموية المكتوبة باليونانية

تكتسب هذه البرديات أهميتها في كونها أولاً مبكرة حيث تعود إلى القرن الهجري الأول، وثانيا في كونها وثائق رسمية أموية. تبين هذه الوثائق غياب التنوين وغياب الحركات الإعرابية القصيرة في غير موضع الإضافة.

يقول أحمد الجلاد: ((من الواضح أن لغة هذه البرديات قد فقدت الحركات الإعرابية القصيرة في أواخر الكلمات، ولكن لم تُفقد الحركات الإعرابية الطويلة (الواو والياء والألف) ولم تُفقد الحركة الإعرابية في حال الإضافة. الدليل المبني على البرديات يشير إلى بقاء الإعراب في مثل هذه المواضع. وهذه المواضع هي نفس المواضع التي بقي فيها الإعراب في لغة رسم المصحف (أي اللغة المستنتجة من دراسة رسم المصحف كنقش أثري مستقل بعيداً عن أقوال أهل النحو والقراءات) .)) لغة الفتوحات للجلاد ص11

الخصائص اللغوية للبرديات الأموية العربية-اليونانية

1- فقدان التنوين والحركات الإعرابية القصيرة في آخر الكلمة[٢].

مثال ذلك "بني سعد بن مالك" والتي وردت مكتوبة بدون تنوين كلمة "سعد":

Β(ανι) Σααδ β(εν) Μαλεχ / B(ani) saad b(en) malek


2- الحركة الإعرابية القصيرة تظهر في حال الإضافة فقط.

مثال ذلك اسم "أمُّ يوسف"[٣] والذي ورد مكتوباً هكذا:

Ομμου Ιωσεw / ommu yūsef

ولكن حين يكون المضاف إليه كلمة تبدأ بـ"ال" التعريف، حينها تختفي الحركة الإعرابية ويحل محلها الفتحة وهي حركة الألف في "ال" التعريف كما هو الحال في اللهجات العامية، مثال ذلك الاسم "عبد الله" حيث ورد في البرديات مكتوباً هكذا:

αβδαλλα/abdalla


3- التاء المربوطة تُنطق تاءً فقط في الإضافة[٤] كما هو الحال في اللهجات العامية.

نظراً لكون الكلمة غير المضافة لا يلحقها تنوين ولا حركة إعرابية، فإن التاء المربوطة تُنطق هاءً، وتُنطق تاءً فقط في الإضافة.

من أمثلة نطقها تاءً في الإضافة: أمَة الله [٥]αμαθαλλα : amatalla


4- وجود الإعراب بالحركات الطويلة كما هو الحال في الأسماء الخمسة، من أمثلة ذلك[٦]:

Αβου Σαειδ /abū saʕīd/ أبو سعيد

Οβαιδαλλα β(ιν) Αβιλαας / ʕobaydallāh b(in) ʾabī l-ʕās ̣/ عبيد الله بن أبي العاص


5- الألف المقصورة (ى) تُنطق بالإمالة كما هو الحال في بعض القراءات القرآنية.

من أمثلة ذلك[٧]:

Μαυλε /mawlē/مولى

ιαειε /yaḥyē/ يحيى

ιαλε /yaʕlē/يعلى

نقش عربي-يوناني من القرن الهجري الأول

نقش يوناني مؤرخ بعام 42 هـ يحوي الجملة "عبد الله معاوية أمير المؤمنين" منطوقة بالعربية ومكتوبة بأحرف يونانية

وهو نقش يوناني على حجر تأسيسي لمبنى استحمام، والنقش مؤرخ بعام 42 للهجرة. ترجمة بداية هذا النقش هي:

"في أيام عبد الله معاوية أمير المؤمنين، الحمامات الساخنة للناس تمت إعادة بنائها من قبل..."

"عبد الله" كان لقباً يستخدمه الحكام الأمويون. ومعاوية المذكور في النقش هو الصحابي معاوية بن أبي سفيان.

يحتوي النقش على عبارة "عبد الله معاوية أمير المؤمنين" مكتوبة بالعربية بأحرف يونانية (ما تحته خطر أحمر في الصورة).

بتحويل الأحرف اليونانية إلى ما يقابلها بالإنجليزية فإن العبارة كُتبت هكذا:

ABDALLA MAAUIA AMIRAALMUMENEN

عبدْ اَللَ مَعَاويَ أَميرْ اَلمومِنين

النطق المفترض بالفصحى: عبدُ اللهِ معاويةُ أميرُ المؤمنين

تختلف هذه الكتابة عن العربية الفصحى بما يلي:

آخر كلمة "عبد" بدلاً من أن يتحرك بالضم فإنه قد تحرك بالفتح بفعل أل التعريف في الكلمة التي تليها: الله.

وكلمة "الله" لم تتحرك بالكسر بل ساكنة.

ومعاوية لم يُكتب آخرها تاءً مضمومة "معاويتُ". وأمير لم تتحرك بالضم بل بالفتح بفعل أل التعريف في الكلمة التي تليها: المؤمنين.

ويُلاحظ أن كلمة معاوية نُطقت بفتح الميم: مَعَاوية MAAUIA.

ويُلاحظ أن كلمتي "الله" و"معاوية" لم تكتبا بالهاء في آخرهما وهذا سببه أن الأبجدية اليونانية لا تحوي حرف الهاء.

للإطلاع على النقش انقر هنا.

بردية أموية من القرن الهجري الأول

بردية نصان من عام 54 ه مكتوبة بالعربية واليونانية ويحتوي النص اليوناني على كلمات عربية مكتوبة بأحرف يونانية

هذه بردية تعود لعام 54 هجرية وهي رسالة أموية رسمية تطالب أهل مدينة نصان في فلسطين بدفع الجزية المستحقة عليهم، والرسالة مكتوبة باللغتين العربية واليونانية. للإطلاع على البردية انقر هنا.

وردت في الرسالة الأسماء التالية مكتوبة بالعربية واليونانية: الحارث بن عبد، عدي بن خالد، بني سعد بن مالك. ووردت أيضاً عبارة "شهري ربيع".

يُلاحظ غياب الحركات الإعرابية عن "الحارث" و"عدي" و"سعد". أما كلمة "بن" فقد جرت العادة في مثل هذه الرسائل على كتابتها اختصاراً بحرفها الأول فقط B.

ويُلاحظ أيضاً أن "شهري ربيع" قد كُتبت باليونانية بإثبات النون: شهرين ربيع. وقد وردت هذه الصيغة باليونانية ثلاث مرات في البرديات وفي جميعها تم إثبات النون، وهذا النطق مطابق للهجاتنا العامية اليوم حيث لا تُحذف نون المثنى أو الجمع عند الإضافة حيث نقول: "مدرسين المدرسة" بدلاً من صيغة الفصحى: "مدرسي المدرسة". يقول أحمد الجلاد: ((وردت أمثلة المثنى في البرديات ثلاث مرات في عبارة "شهري ربيع". وعلى الرغم من أن المثنى هنا هي في حال الإضافة، فقد احتفظت بالنون الأخيرة، مما يشير إلى غياب التفريق بين حال الإضافة وغير الإضافة فيما يتعلق بهذه النون، وهذه خاصية شائعة في البرديات العربية التي تسبق القرن العاشر الميلادي (الرابع الهجري)، وهي أيضاً من خصائص اللهجات العربية الحديثة.)) ص13

الأسماء العربية الواردة في بردية نصان



تفريغ نص بردية نصان



بردية دمشق

تم اكتشاف هذه البردية في المسجد الأموي عام 1900، وتعود هذه البردية إلى القرن الهجري الثالث وهي تحوي ترجمة عربية لجزء بسيط من سفر المزامير في التوراة، وهذه الترجمة مكتوبة بالأبجدية اليونانية. وقد تناول أحمد الجلاد هذه البردية بالتفصيل في كتابه The Damascus Psalm Fragment

الخصائص اللغوية لبردية دمشق:

1- غياب التنوين والحركات الإعرابية القصيرة[٨].

مثال[٩]:

ὑεϳει μάϳδεὑ λιχχειγβὑϳ

yuheyyī māy(i)deh li-šiʕb-hu(hi)

يهيِّي (يهيء) مايدة (مائدة) لشعبه


يُلاحظ على النص السابق غياب الضمة عن "يهيءُ" وغياب الفتح والتنوين عن مائدة (مائدةً).


2- في الإضافة فإن الحركة الإعرابية القصيرة تظهر أحياناً وتختفي أحياناً أخرى[١٠].

مثال الغياب[١١]:

χαυλ χηέμὑμ

ḥawl ḫiyēm-hum

حول خيامْهُم (بدلاً من خيامِهم)


مثال حضور الحركة الإعرابية في الإضافة[١٢]:

βη αυθάνϳὑμ

bi auṯanium

بأوثانِهُم


3- التاء المربوطة تُنطق تاء فقط في الإضافة.

خيمت سيلوم[١٣]

χαϳμετ σεϳλουμ

kaimet seiloum

أما في غير الإضافة فنُطقت التاء المربوطة هاءً وذلك لغياب الحركات الإعرابية: الأوديه[١٤]، مايده، الملايكه، مجنحه. وهذه الهاءات كُتبت بالإمالة  (eh)[١٥]أي بما يماثل اللهجات الشامية اليوم.


4- الألف المقصورة تُنطق بالإمالة حيناً وتنطق ألفاً في أحيان أخرى[١٦].

أعطى aʕṭa

αγτα

أتى ate

Ατε


5- لا وجود للام الشمسية بل اللام في "أل" التعريف تُنطق في جميع الكلمات[١٧].

مثال ذلك[١٨]:

οελναρ

welnar

والنار


وهذا مختلف عن الحال في البرديات الأموية حيث تظهر اللام الشمسية كما في "عبد الرحمن" حيث لم تكتب لام الرحمن[١٩]:

Αβδεραμαν

abderaman


6- هاء الغائب إذا اتصل بها شيء فإنها مضمومة دائماً ولا تتحرك بالكسر.

مثال ذلك كلمة "بأوثانِهُم"[٢٠] حيث أن الهاء مسبوقة بحرف مكسور وهكذا وفقاً لقواعد الفصحى يجب أن تكون الهاء مكسور "بأوثانِهِم" ولكن في البردية جاءت الهاء مضمومة.


7- الاسم المنوَّن المفتوح يُنطق آخره بالألف (الفتحة الطويلة).

وردت كلمة "جداً" هكذا[٢١]:

γεδδα

gedda


8- إمالة الألف في بعض الكلمات.

فسىلت (فسالت)[٢٢]

φασέλετ

fa-sēlet

نص بردية دمشق

يحتوي النص على جمل ركيكة وصعبة الفهم وسبب ذلك أن النص العربي المكتوب بأحرف يونانية هو ترجمة حرفية من النص الأصلي للتوراة المكتوب باليونانية[٢٣]، أي أن ترتيب الكلمات مطابق لترتيبها في النص الأصلي اليوناني.

بتحويل الأحرف اليونانية إلى ما يقابلها في الإنجليزية يكون نص البردية كما يلي:

فسىلت (فسالت) مَيَّه والأودية فاضت لعل وخبز يقدر يعطي أو يهيِّي (يهيء) مايدة (مائدة) لشعبه.

fa-sēlet mayyah wel-ʔewdiyeh fāḍat leʕal wa-ḫubz yeqdir yuʕtī

ʔeu yuheyyī māy(i)deh li-šiʕb-hu(hi) [sic] [*li-siʕbi-h(?)]

لذلكْ سمع الرب فأَمتَنَع والنار اشتعلت في يعقوب ورُجُز صعد على إسراييل

li-dhālik semiʕ el-rab fa-ʔamtenaʕ wel-nār ʔeshteʕalet fī yaʕqūb wa ruǧz ṣaʕ(ad)

ʕalā ʔisrāel

لأنهم لم يومنوا بالله ولا توكلوا على خلاصه

li-ʔen(nahum) (la)m yūmi(nū) billāh wa-lā (tawa)kkelū ʕalā khalāṣ-h

وأَمَر السحىب (السحاب) من فوق وأبواب السما فتح

wa ʔamar el-siḥēb min fawq wa ʔabwāb el-se…samā fateḥ

وأمطر لهم منَّا لياكلوا و خبز من السما أعطاهم

wa ʔamṭar lehum m(ann)a liyā(kul)ū (wa) (ḫub)z min el-(semā) ʔaʕṭā-hum

خبز الملايكة أكل إنسان شبع بعث لهم ليتمَلَّوْا.

(ḫub)z el-melēyke (ʔak)el ʔinsēn (ša)ba(ʕ) baʕaṯ la-hum ley(i)temellew

أهاج التيْمَن* من السما وأتى بقوته العاصف

ملاحظة: يشير الجلاد إلى أن "التَيْمَن" هي من أصل آرامي، وهي في التوراة العبرية مكتوبة "تيمان". ومعنى "أهاج التيمن" أي أهاج الرياح الجنوبية.

ʔahāǧ el-teym(an) min el-semā wa ʔatē bi-quwwet-uh el-ʕāṣif

وأمطر عليهم مثل التراب لحوم ومثل رمل البحور طيور مِجْنِحَة

wa ʔamṭar ʕaley-hum mithl el-turāb luḥūm wa mithl raml el-buḥūr ṭiyūr

mujneḥah

فوقعت في وسط عسكرهم حول خيامهم

fa-waqaʕat fī wasaṭ ʕasker-hum ḥawl ḫiyēm-hum

فأكلوا وشبعوا جدا وشهوتهم جاب لهم

fa-ʔakelūwa šebiʕū ǧeddā wa šehwet-hum ǧēb la-hum

لم يُعدموا شهوتهم وعندما كان الطعام في فاهم

(la)m yuʕdemū (š)ehwet-hum wa ʕindmā kēn el-ṭaʕām fī fāh-hum

وابتلوا ومرموا الإله العالي وشهاداتُه لم يحفظوا

wa ʔabtelew wa marmarū el-ʔilēh el-ʕālī wa šehād(ā)t-uh lam yeḥfaḏ̣ū

فأَنقلبوا وغدروا مثل آبايهُم أَنقلبوا مثل القوس العوجى

fa ʔanqalebū wa ġadarū miṯl ābāy(i)-hum ʔanqalebū miṯl el-qaws el-ʕawǧē

وأسخطوه بأوثانهم وبمنحوتاتهم أغاروه.

wa (ʔa)sḫaṭū-h bi-ʔawθāni-hum wa bi-menḥūtēti-hum ʔaġārū-h

سمع الله وتغافل وأفسل جدا لإسراييل

semiʕ allāh wa teġāfel (wa) ʔafsel ǧed(dā)—li-isra(il)

وأقصا خيمة سيلوم المسكن الذي أسكن في البشر

wa ʔaqṣā ḫaymet seylūm el-mesken elleðī ʔesken fil-bašer

وأسلم للسبي قوتهم.

wa ʔas(l)e(m) lilseb(ī) (q)oe(t-hum)

البرديات العربية-العبرية

وهي برديات عربية مكتوبة بأحرف عبرية. تعود بعض هذه البرديات إلى القرون الهجرية الثلاثة الأولى، ومصدرها من مصر. يقول الباحثان بلاو وهوبكنز مؤلفا كتاب مخصص عن هذ البرديات:

((عربية هذه البرديات فقدت الحركات الإعرابية؛ فلو كان التنوين موجوداً فلا شك بأنه كان سيكتب كنون في آخر الكلمة، وما يؤكد ذلك أن هذه النصوص مكتوبة بشكل يطابق النطق بعيداً عن أي تأثير لقواعد الإملاء العربي (مثل أن التنوين لا يُكتب)، ولذلك حين تُكتب كلمة مثل "جداً" بألف في آخرها فهذا معناه أن الكلمة تُنطق في آخرها بألف بدون وجود التنوين.))[٢٤]

تخلو الأبجدية العبرية من الحركات القصيرة (الضمة والفتحة والكسرة) ولكن يتم أحياناً استخدام أحرف الحركات الطويلة (الألف والواو والياء) للتعبير عن الحركات القصيرة. كما أن الفتحة الطويلة (الألف) غالباً لا تُكتب في العبرية. وعلى الرغم من هذا القصور في الأبجدية العبرية فإن هذه النصوص العربية المكتوبة بالعبرية تبين غياب التنوين والحركات الإعرابية لأن التنوين لا يُكتب كنون ولأن التاء المربوطة تُكتب هاءً مما يعني غياب الحركات الإعرابية التي تحول التاء المربوطة إلى تاء. كمثال على ذلك ترد في أحد البرديات العبارة التالية مكتوبة بأحرف عبرية:

"ونحن في عافية والله محمود على ذلك"

ונחן פי עפיה ואלה מחמוד עלא דלך[٢٥]

بتحويل الأحرف العبرية إلى ما يقابلها بالعربية فإن العبارة قد كُتبت هكذا:

ونحن في عفيه واله محمود علا ذلك

لو كانت الحركات الإعرابية موجودة لكانت الجملة مكتوبة هكذا:

ونحن في عفيتن واله محمودن علا ذلك


بالإضافة إلى فقدان الحركات الإعرابية القصيرة والتنوين، تحتوي البرديات العربية-العبرية العائدة إلى القرون الهجرية الثلاثة الأولى تحتوي أيضاً على الخصائص التالية:

1- فقدان الهمزة في الكثير من الكلمات[٢٦].

مثال:

كُتبت كلمة "الأردية" (جمع رداء) هكذا:

אלרדיה (الرديه)

تأخذ:

תכוד (تخوذ، تُنطق تاخُذ)

ملاحظة: حرف الألف العبري א يُستخدم للهمزة وللفتحة الطويلة. لو كانت كلمة "تأخذ" منطوقة بالهمزة لتم استخدام الألف، ولكن عدم استخدام الألف يعني أن الهمزة في الكلمة تحولت لفتحة طويلة "تاخذ" ولأن الفتحة الطويلة عادة لا تُكتب في العبرية لم يتم التعبير عنها بحرف الألف ولذلك كُتبت الكلمة هكذا "تخوذ". أما الواو فتم استخدامها للتعبير عن الضمة.


2- الاسم المنوَّن المفتوح يُنطق آخره بالألف (الفتحة الطويلة)[٢٧].

كُتبت كلمة "وأيضاً" هكذا:

וידא (ويدا، لا وجود للضاد في العبرية لذلك يتم التعبير عنها بالدال)

لو كانت الكلمة منطوقة بالتنوين، لكُتبت هكذا: וידן (ويدن).

كما كُتبت كلمة "وغداً" هكذا:

וגדא (وجدا، لا وجود لحرف الغين في العبرية لذلك تم التعبير عن صوت الغين بحرف ג والذي يُنطق كالجيم المصرية).


3- هاء الغائب تكون ساكنة (ـهْ)[٢٨] وتتحرك بالضم في الجمع ولا تتحرك بالكسر[٢٩].

وردت كلمة "ولده" مكتوبة بسكون الهاء بدلاً من صيغة الفصحى التي تُنطق "ولدهو":

ולדוה (ولدوه: تُنطق ولدُه، تم استخدام الواو للتعبير عن الضمة)

وكذلك وردت "من أخيه" مكتوبة بسكون الهاء بدلاً من صيغة الفصحى التي تُنطق "أخيهي":

מין אכיה (مين أخيه)

وكذلك وردت "على حالتهم" بضم الهاء بدلاً من صيغة الفصحى وهي الكسر:

עלא חאלתהום (علا حالتهوم)


4- فقدان إعراب الأفعال الخمسة حيث لا تظهر النون[٣٠].

ورد الفعل "يهربوا" مكتوباً هكذا:

יהרובו (يهروبو)

الحركات الإعرابية والتنوين في القراءات القرآنية

كان المصحف الذي جمعه عثمان وألزم الناس به خالياً من النقط والتشكيل، وهذا ما فتح الباب بعد ذلك لظهور الاختلاف في كيفية قراءة العديد من الكلمات، وكذلك الاختلاف في الخصائص الصوتية كالهمز والإمالة.

يتّبع المسلمون اليوم في قراءتهم للقرآن عشر قراءات تُعتبر لديهم هي الصحيحة والثابتة عن الرسول، واليوم قراءة حفص هي الأكثر شهرة بين المسلمين، وتسود قراءة ورش في دول المغرب العربي.

تتفق القراءات العشر على النظام الإعرابي الكامل بما فيه من تنوين وحركات قصيرة في أواخر الكلمات، ولكن هذا الاتفاق لا يعني أن الإعراب الكامل هو جزء أصيل من القرآن؛ حيث أن الدراسة التحليلية واللغوية للقراءات تبين أنها تعرضت للتعديل، ولا توجد قراءة خصائصها تمثل لغة أو لهجة طبيعية بل كل قراءة فيها خليط من الخصائص التي لا يمكن أن تجتمع في لغة واحدة بشكل طبيعي، كما أن القراءات مليئة بالابتداع ولا تلتزم بشكل كامل بالتلقي الشفهي الذي يفترض أنه يرجع في آخره إلى محمد. من الأمثلة على ذلك أن الكسائي، وهو صاحب إحدى القراءات العشر، يعامل كلمة "ثمود" في قراءته على أنها ممنوعة من الصرف إذا كانت الكلمة مرفوعة أو مجرورة، ويعاملها على أنها مصروفة إذا كانت منصوبة لأن كلمة ثمود في القرآن في النصب مكتوبة بألف في آخرها فيلحقها التنوين "ثموداً"، ولكن الكسائي كسر قاعدته هذه في الآية: ﴿أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ﴾ هود/68 (لاحظ أن هذه الآية مكتوبة على قراءة حفص، وهو يقرأ "ثمود" في المكانين على المنع من الصرف، أي أن الألف التي في آخر كلمة "ثمود" الأولى - كما هي موجود في رسم المصحف - يتم تجاهلها من قبل حفص وغيره من القراء فلا يقرأون الكلمة بالتنوين "ثموداً" بل بالمنع من الصرف "ثمودَ".)

ترد كلمة ثمود مرتين في الآية السابقة: في الأولى منصوبة، وفي آخرها الألف في رسم المصحف، وبالتالي يجب أن تكون مصروفة عند الكسائي فتُقرأ "ثموداً" بالتنوين، وفي الثانية مكسورة وبالتالي يجب أن تكون ممنوعة من الصرف فتُقرأ "لثمودَ" بالفتحة. ولكن الكسائي قرأ الكلمتين على أنهما مصروفتان: ﴿أَلَا إِنَّ ثَمُوداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودٍ﴾

يقول الفراء (ت 207) في كتابه "معاني القرآن" ج2 ص20 ، دار المصرية

((ومنهم من أجرى (‌ثمود) فِي النصب لأنّها مكتوبة بالألف فِي كل القرآن إلا فِي موضع واحد (وَآتَيْنا ‌ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً) فأخذ بذلك ‌الْكِسَائي فأجراها فِي النصب ولم يُجرها فِي الخفض ولا فِي الرفع إِلَّا فى حرف واحد: قوله (أَلا إِنَّ ‌ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً ‌لِثَمُودَ) فسألوهُ عَن ذَلِكَ فقال قرئت فِي الخفض من الْمُجْرَى وقبيح أن يَجتمعَ الحرف مرتين فِي موضعين ثُمَّ يَختلف، فأجريته لقربه منه))

ومعنى كلام الكسائي هنا أنه يعتبر وجود الكلمة مرتين في موضعين مختلفين وقريبين وفي نفس الآية، ثم معاملة الأولى كمصروفة لوجود الألف والثانية كممنوعة من الصرف، يعتبر أن هذا الاختلاف في المعاملة لنفس الكلمة في آية واحدة قبيحاً لقرب الكلمتين من بعضهما. وهذا يعني أن الكسائي كان يعتمد على رأيه واستحسانه الشخصي في كيفية القراءة وليس على الرواية والتلقي.

يقول فان بوتن تعليقاً على هذه الرواية:

((صحيح أن هذه الرواية لا تثبت أن القرآن كان في الأصل خالياً من الحركات الإعرابية، ولكنها تظهر دورهم في تطبيق الإعراب على التلاوة؛ فدورهم لم يكن أن يقوموا بنقل الإعراب حرفياً كما سمعوه من معلميهم، بل كان دورهم هو استحسان وتبرير الإعراب الذي يختارونه للكلمة. وفي مثل هذه الحالات فإن سبباً متعلقاً بالمظهر الجمالي المحض كالذي ذكره الكسائي هو سبب كافٍ عندهم للتخلي عما تلقوه من معلميهم، حيث أن حمزة، وهو معلم الكسائي، قرأ كلمتي "ثمود" في الآية بالمنع من الصرف. وهكذا فإن استخدام أئمة القراءة للإعراب لا يفيدنا بشيء حول استخدام الإعراب في اللغة الأصلية للقرآن. وبما أن الإعراب عند القراء اعتمد على الرأي المبني على رسم المصحف والمظهر الجمالي بدلاً من أن يعتمد على التلقي الشفهي الذي ينتهي إلى الرسول، يصبح من السهل أن نتخيل أن الإعراب نفسه ليس جزءاً أصيلاً من القرآن، بل تم فرضه في زمنٍ ما بعد جمع عثمان للمصحف.))


يوجد دليل آخر على أن الإعراب لم يكن معتمداً على التلقي، وهو الاستخدام الخاطئ للإعراب. يذكر فان بوتن عدة أمثلة على ذلك من أبرزها كلمة "أيَّان" والتي استخدمها القرآن عدة مرات (كالآية 7:187). هذه الكلمة أصلها أي آن، وبالإعراب تصبح أيَّ آنٍ (بتنوين آن). فُقدت همزة "آن" مما سمح باندماج الكلمتين مع بعضهما "أيّان". ولكن من المفترض أن تكون هذه الكلمة منوّنة، ومع ذلك لا نجدها منوّنة في أي قراءة بل هي في كل القراءات مبنية على الفتح "أيّانَ". سبب ذلك هو أن الكلمتين في الأصل لم يكن في آخرهما حركات إعرابية: أيْ آنْ، فلما اندمجتا في كلمة واحدة وتم اعتبار هذه الكلمة على أنها كلمة مستقلة بحد ذاتها قام أئمة القراءة بجعل الكلمة مبنية على الفتح لأنهم ظنوا بأن الكلمة تنتمي لفئة من الكلمات المبنية على الفتح مثل أداة الاستفهام "أين" وظروف الزمان "يومَ" و"حينَ". فالكلمة في لغة القرآن الأصلية كانت تُنطق "أيّانْ"، ولما قام أئمة القراءة بفرض الحركات الإعرابية على القرآن جعلوا الكلمة مبنية على الفتح.


الأحرف المقطعة

احتفظت القراءات بالكيفية الأصلية لنطق الأحرف المقطعة فلم يدخلوا عليها الحركات الإعرابية، فتجد القراء يقرأون: ألفْ لامْ ميمْ، بدلاً من: ألفُنْ لامُنْ ميم. ومما يدل على أن هذه الأحرف تقبل دخول الإعراب عليها هو أن كتب الحديث قامت بإدخال الإعراب عليها كما في الحديث النبوي: ((مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ)). رواه الترمذي في سننه.

وحين يذكر الشيوخ الحديث السابق فإنهم يقرأون الأحرف المقطعة بالإعراب.

يقول فان بوتن:

من السهل فهم وضع الأحرف المقطعة إذا اعتبرنا بأن القرآن لم يحتوِ في الأصل على إعراب كامل ثم لاحقاً تم فرض الإعراب الكامل عليه؛ فهذه الأحرف المقطعة ليس لها أي دور نحوي واضح وبالتالي كان من الصعب إدخالها ضمن نظام إعرابي- نحوي. ولكن العكس من ذلك هو أمر يصعب فهمه: لا يوجد سبب لغياب الإعراب عن الأحرف المقطعة إذا كانت لغة القرآن الأصلية مبنية على الإعراب.

رسم المصحف كدليل على الحجازية القديمة

المقصود بمصطلح "رسم المصحف"

حين قام عثمان بتوحيد المصاحف وأمر بإتلاف كل المصاحف الأخرى، أرسل نسخة من مصحفه إلى عدة أمصار، هذه النسخ تُسمى بالمصاحف العثمانية، ومصطلح رسم المصحف يعني شكل الخط الذي كتبت به هذه المصاحف حيث كانت خالية من التنقيط والتشكيل وفيها بعض الظواهر الأخرى التي تختلف عن الكتابة العربية الحديثة.

يقول فان بوتن:

((حين نبحث عن إجابة على السؤال "ما هي لغة القرآن"، تخفق القراءات القرآنية في تقديم الجواب؛ فهذه القراءات متنوعة في خصائصها اللغوية، ولا توجد واحدة منها تمثل لغة تطورت بشكل طبيعي، ويجب اعتبار هذه القراءات نتاجاً لمجهود من القراء لتجميل التلاوة القرآنية عبر استخدام خصائص لغوية وصوتية مميزة من لهجات متعددة. ولكن هناك مصدراً يحمل معلومات لغوية تعود إلى العقود الأولى للإسلام: رسم المصحف. ))


يُلاحظ على الكتابة العربية أنها غير مطابقة للنطق، ومن أبرز وجوه ذلك:

- عدم كتابة التنوين؛ فجملة مثل "هناك كتاب جديد" تُنطق "هناك كتابن جديد" ومع ذلك لا تُكتب النون.

- التنوين المفتوح يُكتب بالألف "كتابا" ولكن هذه الألف لا تُنطق إلا في الوقف (أي حين تكون الكلمة في آخر الجملة أو آخر ما يُنطق قبل السكوت)، أما في الوصل فتُنطق الكلمة "كتابن":

"قرأتُ كتاباً جديدا" تُنطق: قرأتُ كتابن جديدا. (يشيع اليوم في الفصحى أن ينطق التنوين حتى في كلمة "جديدا" ولكن هذا مخالف لقواعد الفصحى التي تقضي بحذف التنوين والحركة الإعرابية في الوقف).

- هاء الغائب في جملة مثل "كتابه عندي" تُنطق: كتابهو عندي.

- التاء المربوطة في أغلب الأحيان تكتب هاء ولكنها تُنطق تاء: "سمعتُ كلمة طيبة" تُنطق "سمعتُ كلمتَنْ طيبه".

التفسير التقليدي لهذه الظواهر هو أن الكتابة العربية، والتي وُضعت قواعدها في أغلبها بناءً على القرآن، تقوم على مبدأ الوقف؛ أي أن الكلمة تُكتب كما تُنطق في حال الوقف أي إذا كانت الكلمة في آخر الكلام أو عند التوقف لأخذ النفس؛ فمثلاً وفق قواعد الفصحى لا يُقال "كتابٌ جميلٌ" أي بتنوين الكلمة الثانية وإعرابها: كتابُن جميلُن. بل تُقال: كتابُن جميلْ. فكلمة جميل هي في محل وقف ولذلك الكلمة في هذا الموضع تُعامل معاملة مستقلة فتسقط عنها الحركة الإعرابية والتنوين، وقد كُتب القرآن على هذا المبدأ في جميع كلماته أي أن كل كلمة كُتبت كما لو أنها في محل الوقف، ولهذا لا نجد التنوين مكتوباً، ولهذا يُكتب التنوين المفتوح بالألف لأن الوقف عليها يحولها إلى ألف: "قرأتُ كتابَنْ جميلا". ولهذا أيضاً لا تُضاف الحركة الطويلة (الواو أو الياء) إلى هاء الغائب، ولهذا أيضاً التاء المربوطة تُكتب غالباً بالهاء. ولكن التحليل اللغوي لرسم المصحف يظهر أن القرآن لم يُكتب على قاعدة الوقف، وهذا يبين بأن عدم كتابة التنوين سببه أنه التنوين لم يكن موجوداً أصلاً في لغة القرآن، وتنطبق نفس النتيجة على كل الظواهر الأخرى التي تم تبريرها بقاعدة الوقف مثل كتابة التنوين المفتوح بالألف فسبب ذلك ليس الوقف بل هو أن الاسم النكرة المنصوب في لغة القرآن ينتهي بألف في آخره سواء كانت الكلمة في الوصل أو الوقف.

الأدلة على بطلان قاعدة الكتابة على الوقف

ينبه المتخصصان في اللسانيات فان بوتن وفيليب ستوكس في كتابهم عن لغة القرآن، ينبهان إلى أن قاعدة الكتابة على الوقف هي قاعدة غير موجودة في أي لغة أخرى، كما يبيّنان أن رسم المصحف يقدم الأدلة التالية على أنه لم يُكتب على قاعدة الوقف بل كُتب مطابقاً للنطق:

1- السجع الداخلي

السجع بمعناه المعروف يكون بين كلمة في محل وقف وأخرى في محل وقف كنهايات الآيات ونهايات الأبيات الشعرية، أما السجع الداخلي فهو سجع يحصل داخل الآية الواحدة أو العبارة الواحدة دون أن تكون كلتا الكلمتين في محل وقف؛ ويحصل السجع الداخلي في أكثر حالاته بين كلمات متتابعة. كماثل على ذلك المثل العامي: "اللي فات مات"؛ فالسجع في هذا المثل حصل داخل عبارة واحدة بين كلمتي "فات" و"مات"، وكلمة "فات" هي في محل وصل وكلمة "فات" في محل وقف، أي أن السجع لم يحصل بين كلمتين كلتاهما في الوقف بل ممكن أن يحصل بين كلمتين في محل وصل أو بين كلمة في محل وصل وأخرى في محل وقف.

حين تتم قراءة القرآن بدون الحركات الإعرابية والتنوين ينتج عن ذلك ظهور المئات من حالات السجع الداخلي مما يثبت أن القرآن كان في الأصل خالياً من الإعراب الكامل، ولكن فرض الإعراب الكامل عليه أدى إلى اختفاء السجع الداخلي.


أمثلة  السجع الداخلي

من أبرز أمثلة السجع الداخلي وأكثرها تكراراً هي خواتم الآيات التي تتكون من صفتين لله مثل "عليم حكيم" والتي تكررت في القرآن 15 مرة مثل 9:15. تُنطق "عليم حكيم" هكذا: عليمُن حكيمْ، حيث أن كلمة "حكيم" هي في نهاية الآية ولذلك لا يلحقها الإعراب. ولكن إذا قُرأت الكلمتان بدون إعراب يظهر السجع بين الكلمتين: عليمْ حكيمْ. وهكذا دواليك في العديد من خواتم الآيات:

النطق بالفصحى: عليمَن حكيما.

الحجازية القديمة: عليما حكيما.

النطق بالفصحى: غفورُن شكور.

الحجازية القديمة: غفورْ شكور.

النطق بالفصحى: عليمُنْ حليم.

الحجازية القديمة: عليمْ حليم.

النطق بالفصحى: خبيرُن بصير.

الحجازية القديمة: خبيرْ بصير.


يُلاحظ من الأمثلة السابقة أنها إذا قُرأت كما هي مكتوبة في رسم المصحف، أي بلا تنوين، يظهر السجع الداخلي، مما يثبت أن رسم المصحف كُتب في أغلبه بشكل مطابق للنطق.

من الأمثلة الأخرى على السجع الداخلي:

﴿وَيْلٌ لِكُلِّ ‌هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ۝﴾

النطق بالفصحى: همزَتَنْ لمزَهْ.

بالحجازية القديمة: همزَهْ لمزَهْ.

﴿‌وَأَنْزَلْنَا ‌الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾  الحديد/25

النطق بالفصحى: الحديدَ... شديدُن...

بالحجازية القديمة: ‌وَأَنْزَلْنَا ‌الْحَدِيدْ فِيهْ بَاسْ شَدِيدْ وَمَنَافِعْ لِلنَّاسْ.


يوجد عدد كبير من الأمثلة المشابهة تستطيع أن تقرأها هنا.

2-كيفية كتابة الياء التي في آخر الكلمة

في رسم المصحف فإن الياء الأخيرة تارة يتم إثباتها (كما في "المهتدي") وتارة لا تكتب (المهتد). لقد أثبت فان بوتن وستوكس أن هذه الياء تُحذف غالباً حين تكون في موضع وقف، وتُثبت غالباً حين تكون في موضع الوصل، وهذا يثبت أن حذف الياء هو صيغة الوقف، وهذا بدوره يثبت أن القرآن لم يُكتب على مبدأ الوقف وإلا لتمت كتابة جميع أو معظم هذه الكلمات بحذف الياء لأن حذف الياء هي صيغة الوقف.

يمكن تقسيم الكلمات التي تنتهي بالياء إلى قسمين: قسم يلحقه التنوين، وقسم لا يلحقه التنوين.

الكلمات التي يلحق بها التنوين مثل: هادٍ، والٍ، ليالٍ. جميع هذه الكلمات كُتبت في القرآن دون ياء سواء كانت الكلمة في موضع وقف أو وصل. وهذا سببه أن سقوط التنوين وحركة أواخر الكلمات يحول كلمة مثل "هادِن" إلى "هادْ" في الحجازية القديمة؛ أي أن الحجازية القديمة في مرحلة سابقة كان التنوين والحركات الإعرابية موجودين بها وحينها كانت مثل هذه الكلمات تُنطق هادِن، والِن، ليالِن، ثم حين سقط التنوين والحركات تحولت هذه الكلمات إلى هادْ، والْ، ليالْ.

إذاً الكلمات التي يُلحق بها التنوين هي دائماً محذوفة الياء، أما الكلمات التي لا يلحقها التنوين فإنها تارة تُكتب بالياء وتارة تُكتب بدونها، مثل كلمة "المهتدي" حيث كُتبت مرة بإثبات الياء 7:178، ومرة بحذفها: المهتد 17:97.

قام فان بوتن وستوكس ص14 بتقسيم الكلمات التي تنتهي بالياء إلى الأقسام التالية:

الأفعال:

الغالبية الساحقة من الأفعال التي تنتهي بالياء هي مكتوبة بالياء، باستثناء خمسة مواضع. ثلاثة من هذه المواضع حُذفت فيها الياء لأنها التقت بأل التعريف وهذا يحول الياء إلى كسرة، ولذلك في مثل هذه الحالات تُحذف الياء أحياناً وتُثبت الياء في أحيان أخرى لأن الكتاب يترددون بين الالتزام بالصيغة الكتابية وبين كتابة الكلمة كما هي منطوقة؛ الأمثلة الثلاثة هي: سوف يؤتِ الله 14:146، ننجِ المؤمنين 10:103، فما تغنِ النذر 54:5. الموضع الرابع الذي نجد الفعل فيه محذوف الياء يقع في آخر آية، ولذلك يجب أن نعتبرها صيغة وقف. الموضع الخامس كلمة "نبغِ" وهي وإن كانت لا تقع في نهاية آية ولكنها حسب السياق هي في موضع وقف: قَالَ ذَٰلِكَ ‌مَا ‌كُنَّا ‌نَبۡغِۚ فَٱرۡتَدَّا عَلَىٰٓ ءَاثَارِهِمَا قَصَصٗا (الكهف/ 64).

الأقسام الأخرى:

"ني" المفعول به، مثل: أنبئوني، واخشوني، فاذكروني.

ياء الملكية، مثل: أهلي، أخي، كتابي.

الأسماء، مثل: المهتدي.


لقد أحصى بوتن وستوكس جميع هذه الكلمات في القرآن وقدما النتائج التالية التي تبين أن أغلب حالات حذف الياء حصلت في الوقف، وأغلب حالات إثباتها حصلت في الوصل، مما يعني أن حذف الياء هي صيغة الوقف وإثبات الياء هي صيغة الوصل:

في قسم الكلمات التي تنتهي بـ "ني" المفعول به (مثل أنبئوني):

حُذفت الياء في موضع الوصل 11 مرة، من بينها مرتين لمجئيها قبل أل التعريف.

وأثبتت الياء في موضع الوصل 141 مرة.

وحُذفت الياء في موضع الوقف 70 مرة: 59 في نهاية الآية، و11 في موضع الوقف وسط الآية.

ولم تُثبت الياء في الوقف أي مرة.


في قسم الكلمات التي تنتهي بياء الملكية (مثل كتابي):

لم تُحذف الياء في الوصل في أي مرة.

أثبتت الياء في الوصل 531 مرة.

 143 مرة: 15 مرة في نهاية الآية، و128 مرة في موضع الوقف وسط الآية

أثبتت الياء في الوقف 21 مرة.


في قسم الأفعال التي تنتهي بالياء (مثل يؤتي، نبغي)

حذفت الياء في الوصل في ثلاثة مواضع جميعها وقعت فيها الياء قبل أل التعريف.

أثبتت الياء في الوصل 295 مرة.

حذفت الياء في الوقف مرتين: مرة في نهاية الآية ومرة في موضع الوقف وسط الآية.

لم تثبت الياء في الوقف أي مرة.


في قسم الأسماء التي تنتهي بالياء (مثل المهتدي)

حذفت الياء في الوصل في 14 موضع:  9 منها قبل أل التعريف.

أثبتت الياء في الوصل 12 مرة.

حذفت الياء في الوقف 7 مرات: 4 في نهاية الآية، و3 في الوقف وسط الآية.

لم تثبت الياء في الوقف أي مرة.


بجمع أرقام الحالات الأربع مع بعضها نصل إلى الأرقام التالية:

حُذفت الياء في الوصل 28 مرة.

أثبتت الياء في الوصل 979 مرة.

حذفت الياء في الوقف 222 مرة.

أثبتت الياء في الوقف 21 مرة.


وبحساب النسب المئوية نصل إلى:

حذفت الياء في الوصل بنسبة 2.78%

وأثبتت الياء في الوصل بنسبة 97.2%

حذفت الياء في الوقف بنسبة 91.3%

وأثبتت الياء في الوقف بنسبة 8.6%


وهذا يبين أن حذف الياء هي صيغة الوقف، وإثبات الياء هي صيغة الوصل.

3- التاء المربوطة

يغلب على التاء المربوطة في القرآن أن تُكتب هاءً، ولكنها في عدد غير قليل من الحالات كُتبت تاء، مثل: رحمت الله، سنت الأولين، نعمت الله.

لقد لاحظ فان بوتن وستوكس ص22 أن التاء المربوطة لا تُكتب تاء إلا في حال الإضافة، وهذا مشابه للهجات العامية حيث لا يتم نطق التاء إلا في الإضافة، مثل: "مدرست الحي"، أما في غير الإضافة فلا تُنطق التاء: "مدرسة كبيرة" وهذا أيضاً مطابق للبرديات اليونانية والعبرية حيث بينت أن التاء المربوطة لا تنطق تاءً إلا في حال الإضافة كما سبق بيانه في النقش الحجري الأموي العربي-اليوناني الذي جاءت فيه جملة "عبد الله معاوية أمير المؤمنين" وقد كُتبت فيها كلمة "معاوية" بدون التاء، وفي بردية يونانية كُتبت "أَمَة الله" بالتاء amatalla . وكذلك في بردية دمشق لم تُنطق التاء المربوطة تاء إلا في الإضافة: خيمت سيلوم. أما في غير الإضافة فكُتبت هاء: الأوديه، مايده، الملايكه، مجنحه.

وقد أحصى فان بوتن وستوكس هذه الكلمات في القرآن فوجد أن عدد الحالات التي وقعت فيها التاء المربوطة في كلمات مضافة هي 218، وقد كُتبت فيها التاء المربوطة تاءً في 47 حالة مثل "رحمت الله"، أي في 22% من الحالات. أما التاءات المربوطة التي لم تقع في كلمات مضافة فلم تكتب بالتاء إطلاقا حتى في الوصل الذي تُنطق فيه تاءً بسبب الحركات الإعرابية المفترضة (ملائكتُن، كلمتَنْ طيَّبتُن، والآخرتُ...إلخ). ولكن كُتبت التاء المربوطة تاءً في موضعين: كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (المرسلات/33)، فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ (فاطر/40). ولكن في قراءات عشرية أخرى فإن الكلمتين قد قرئتا بالجمع: جمالات، بينات. فالتاء هنا إذاً على هذه القراءات هي تاء الجمع المؤنث السالم ولا علاقة لها بمبحث التاء المربوطة. وكون التاء المربوطة لم تكتب تاءً في آلاف الكلمات التي ليست بالإضافة يؤكد أن قراءة الجمع هي القراءة الصحيحة.

كل ما سبق يعني أن النطق بالتاء لا يقع إلا في حال الإضافة، ولذلك تردد كتاب المصحف في حال الإضافة بين الالتزام بكتابة هذه التاء هاءً (كما تُكتب في غير الإضافة)، وبين كتابة النطق المسموع للكلمة.

4- هاء السكت

استخدم القرآن هاء السكت في عدة مواضع لغرض السجع، مثل "﴿إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ ‌حِسَابِيَهْ (٢٠) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (٢١) ﴾ الحاقة.

ولكن هناك موضعين لم تُستخدم فيهما هاء السكت لغرض السجع:

فَٱنظُرۡ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ ‌لَمۡ ‌يَتَسَنَّهۡۖ [البقرة: 259]

تمت إضافة الهاء إلى كلمة "يتسنّ" (أصلها يتسنّى وحذفت الألف المقصورة لأن الكلمة مجزومة).

أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۖ فَبِهُدَىٰهُمُ ‌ٱقۡتَدِهۡۗ [الأنعام: 90]

تمت إضافة الهاء إلى كلمة "اقتدِ" (أصلها اقتدي وحذفت الياء لأن الفعل فعل أمر)

كلمة "يتسنه" هي الفعل المجزوم الوحيد في القرآن الذي وقع في الوقف، وكلمة "اقتده" هي فعل الأمر الوحيد في القرآن الذي وقع في الوقف، وبما أن الكلمتين لحقت بهما هاء السكت فهذا يعني أنه في لغة القرآن فإن الفعل المجزوم وفعل الأمر يكتبان بإضافة هاء السكت إليهما في الوقف، وبما أن ذلك لم يحصل مع بقية أفعال الأمر والأفعال المجزومة التي وردت في القرآن وهي ليست في الوقف فإن هذا يعني أن القرآن لم يُكتب على قاعدة أن كل كلمة تُكتب بصيغة الوقف.

الهمزة في القراءات القرآنية

تختلف القراءات درجة استخدامها للهمزة؛ فالكثير منها، بما فيها قراءة حفص، تفرط في استخدام الهمزة، بينما توجد قراءات تستخدم الهمزة بشكل متوسط. في اللغة الأصلية للقرآن لا وجود للهمزة (باستثناء الكلمات التي تنتهي بهمزة مسبوقة بألف مثل "سماء" حيث تُنطق الهمزة)، وتبين بعض الروايات بوضوح أن الهمزة هي ابتداع دخيل على القرآن، من هذه الروايات:

((عَن الأصمعى قَالَ سَأَلت نَافِعًا (ونافع هو صاحب إحدى القراءات العشر، وعلى قراءته يقرأ أهل المغرب اليوم برواية ورش عن نافع) ، قال سألت نافعا عَن الذِّئْب والبئر فَقَالَ إِن كَانَت الْعَرَب تهمزهما فاهمزهما)) (السبعة في القراءات ص346 المكتبة الشاملة).

معنى الرواية هو أن الذئب والبئر الأصل فيهما عدم الهمز في القرآن، يعني كانتا تُقرآن هكذا: الذيب والبير؛ فالأصمعي سأل نافعا الذي كان إمام المدينة في القراءة، سأله عن همز هاتين الكلمتين في القرآن، فقال له نافع إن كانت العرب تهمزهما فاهمزهما، ولم يقل له إن كانت لديك رواية عن الرسول بالهمز فاهمزهما.

ويقول خلف، وهو إمام إحدى القراءات العشر: ((وقريش لا تهمز، ليس الهمز من لغتها، وإنما همزت القراء بلغة غير قريش من العرب)). (رسم  المصحف لغانم قدوري ص357)

ويقول مختار الغوث في كتابه لغة قريش:

((إن مفردات القرآن كلَّها قرشية بالأصالة أو الاقتراض، أما الظواهر اللغوية كالهمز والإدغام والإمالة فإن وجودها فيه رخصة لمن لا يستطيع سواها، وليس هو الأصل، وإنما الأصل قراءة الرسول التي كانت على لغة قريش. وكانت قراءته عليه الصلاة والسلام وتدوين الصحابة له على حرف واحد، لا تظهر فيه وجوه القراءات المباحة.)) (لغة قريش ص343)


وينقل مختار الغوث روايات تبين أن قراءة القرآن بالهمز كان أمرا مستقبحا لدى أهل المدينة ولدى بعض أهل العلم، فلو كان الهمز مصدره الرسول، فكيف لأهل المدينة ولبعض أهل العلم أن يكرهوا شيئا جاء به الرسول؟ يقول المؤلف:

((وقد حافظ أهل المدينة على التسهيل زمنا طويلا متأسين بقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان كبار أئمتهم كجعفر بن محمد الصادق وأبيه – يكرهون الهمز في القرآن، وكانوا يقفون بالمرصاد لمن يهمز بالمدينة لأنهم يرون أنه خارج على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما يُروى في قصة حج الكسائي مع المهدي وقدومه المدينة، فقدمه المهدي يصلي بالناس، فهمز، فأنكروا عليه وقالوا: ينبر في مسجد النبي بالقرآن كأنه ينشد الشعر.

وقال الإمام مالك – وهو مدني – لما سُئل عن النبر في القرآن في الصلاة: إني لأكرهه وما يعجبني.

ومن أطرف ما رُوي عنهم في كراهية الهمز ما روى حماد بن زيد قال: رأيت رجلا يستعدي على رجل بالمدينة، فقلت له: ما تريد منه؟ قال: إنه يتهدد القرآن، قال فإذا المطلوب رجل إذا قرأ يهمز.)) (لغة قريش ص 64)

كما أنه توجد كلمات في القراءات تم إدخال الهمزة عليها بشكل خاطئ مما يثبت أن الهمز تم فرضه على القرآن. يذكر فان بوتن 12 مثالاً على ذلك، ومن بينها كلمة "كأس" والتي أجمعت معظم القراءات على نطقها بالهمزة وصار نطقها بالهمزة من المسلمات في الفصحى الحديثة، يقول فان بوتن:

((بالمقارنة مع اللغات السامية الأخرى فإن الهمزة في "كأس" هي ليست أصيلة؛ ففي العبرية يتم هجاء الكلمة هكذا "كوس" بدون استخدام الألف (والذي يُستخدم في العبرية للهمزة أو الفتحة الطويلة)، وفي الآرامية كاس، وفي الأوغاريتية يتم هجاؤها بالحرفين "ك س"، هذا كله لا يدع مجالاً للشك بأن الكلمة في اللغة السامية الغربية الأم كانت "كاس" وهذا يعني بأن الهمزة في القراءات دخيلة على الكلمة.))

الهمزة في رسم المصحف

يدل رسم المصحف بشكل واضح على أنه كُتب بغير الهمز، ومن هذه الأدلة:

1- الهمزة تخل بالفواصل القرآنية

تنزيها للقرآن عن الشعر فإن نهايات الآيات لا يسميها المسلمون بالقافية ولا بالسجع بل تُسمى بالفواصل. الفواصل القرآنية تثبت أن القرآن بالأصل كان خالياً من الهمز، لأن بعض الآيات إذا قُرئت بالهمز تختل الفواصل، ولكن إذا قُرئت نفس الآيات من دون همز تتناغم الفواصل مع بعضها. الأمثلة على ذلك:

المثال الأول

الفاصلة في سورة الرحمن هي "آن": الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ

أواخر الآيات التالية من نفس السورة هي: تكذبان، شأن، تكذبان

فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (28) يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (30)

كلمة شأن بدون همز تصبح: شان، وبذلك نهايات الآيات تصبح: تكذبان، شان، تكذبان. أي أن إزالة الهمزة جعل كلمة شأن متناغمة مع نهايات الآيات الأخرى. والكلمة تُقرأ "شان" في بعض القراءات مثل قراءة أبي جعفر المدني.


المثال الثاني

الفاصلة في سورة مريم هي ياء مشددة وألف:

ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3)

الآية التاسعة من سورة مريم هي: قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9)

أواخر الآيات من 8 إلى 10 هي: عِتِيّا، شيئا، سويا.

كلمة شيئا أقل تناغما من نهايات الآيات الأخرى. ولكن بتخفيف الهمز تصبح الكلمة "شيَّا" وبذلك تتناغم بشكل كامل مع نهايات الآيات الأخرى. والكلمة تُقرأ "شيَّا" في قراءة حمزة وهي من القراءات العشر.


المثال الثالث

الآية السابعة والأربعون من سورة مريم تنتهي بـ "رِئيا" في حين أن أواخر الآيات السابقة هي: مقضِيّا، جثِيّا، ندِيّا. الكلمة تُقرأ "رِيَّا" في قراءة حمزة فتتناغم بذلك بشكل تام مع نهايات الآيات الأخرى.


المثال الرابع

الآيات التالية من سورة العلق:

كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18)

حين تُقرأ كلمة "خاطئة" بدون الهمز "خاطية" تتناغم بشكل تام مع نهايات الآيات الأخرى: بالناصية، خاطية، نَادِيَه. وهي تُقرأ كذلك في قراءة أبي جعفر.

ويتكرر نفس المثال في سورة الحاقة:

فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8) وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً (10)

2- رسم المصحف يثبت غياب الهمز

كيفية كتابة الهمزة في القديم والحديث

من أصعب الأمور في الإملاء العربي كتابة الهمزة، فيخطئ فيها أكثر الناس حيث أن للهمزة قواعد معقدة فتارة تُكتب على ياء (ذئب)، وتارة تكتب على واو (مؤمن)، وتارة تكتب على ألف (رأس)، وتارة تكتب على السطر (جزء). فما الذي جعل الهمزة تأخذ هذه الأشكال المختلفة؟

تتفق كتب اللغة على أن قريشاً وأهل الحجاز لم تكن الهمزة موجودة في لهجتهم. وبما أن عثمان واللجنة التي أسسها لجمع المصحف وإرسال نسخ منها إلى الأمصار، بما أنهم كانوا حجازيون لا ينطقون الهمزة فإنهم لم يكتبوا الهمزات في المصاحف؛ فحين أرادوا أن يكتبوا كلمة مثل "مؤمن" فهم كتبوها "مومن" كتبوها بالواو لأنهم هكذا كانوا ينطقون الكلمة، وحين أرادوا كتابة كلمة "خاطئة" كتبوها "خاطية" لأنهم هكذا ينطقون الكلمة بالياء، وحين أرادوا كتابة كلمة "ملائكة" كتبوا الهمزة بالياء لأنهم ينطقون الهمزة هنا بالتسهيل فتصبح شبيهة بالياء، ولو أرادوا أن يكتبوا الهمزة لاستطاعوا أن يفعلوا ذلك لأنه كان عندهم حرف يدل على الهمزة وهو حرف الألف، يقول ابن جني وهو من أئمة اللغة:

((اعلم أن الألف التي في أول حروف المعجم هي صورة الهمزة، وإنما كتبت الهمزة واوا مرة وياء أخرى على مذهب أهل الحجاز في التخفيف، ولو أريد تحقيقها البتة(يعني ان تنطق الهمزة دائما) ، لوجب أن تكتب ألفا على كل حال...وعلى هذا وجدت في بعض المصاحف: "يَسْتَهْزِأُون" بالألف قبل الواو.)) (سر صناعة الإعراب لابن جني باب أسماء الحروف ص 55 المكتبة الشاملة)

وكلمة يستهزئون من المفترض أن تكون مكتوبة بالياء، ولكن لأن من كتب المصحف الذي رآه ابن جني ينطق الهمزات في لغته فقد كتب الكلمة بالألف دلالة على نطق الهمزة.

يؤكد أبو عمرو الداني أن المصاحف قد كُتبت على تسهيل الهمز، وأبو عمرو الداني هو الذي أُخذ من كتبه هجاء مصحف المدينة المنورة الشائع اليوم. (انظر في آخر المصحف تحت عنوان "رواية هذا المصحف").

يقول الداني: ((أكثر الرَّسْم ورد على التَّخْفِيف وَالسَّبَب فِي ذَلِك كَونه لُغَة الَّذين ولوا نسخ الْمَصَاحِف زمن عُثْمَان رَحمَه الله وهم قُرَيْش وعَلى لغتهم اقرت الْكِتَابَة حِين وَقع الْخلاف بَينهم وَبَين الانصار فِيهَا على مَا ورد فِي الْخَبَر الثَّابِت الْمَذْكُور فَلذَلِك ورد تَصْوِير اكثر الْهَمْز على التسهيل اذ هُوَ المستقر فِي طباعهم والجاري على السنتهم)). (المحكم في نقط المصاحف للداني ص151 المكتبة الشاملة)

ويقول الباحث في علوم القرآن غانم قدوري في كتابه "رسم المصحف دراسة لغوية تاريخية":

((والحقيقة هي أن الذي ورد في الرسم العثماني في غير أول الكلمة ليس الهمزة، إنما هو هذه المطايا دون راكبها، لأن الكتبة لم يَدُر في خلدهم أنهم يكتبون همزة بصورة الواو أو الياء. إنما هم يكتبون واواً أو ياء أو شيئا قريبا من ذلك، وهم لا يقصدون بذلك سوى تمثيل هذه الأصوات التي استعملوا لرسمها ما هو معروف من رموزها في الكتابة العربية ولو أرادوا أن يكتبوا الهمزة لأثبتوها ألفاً كما هو أصل رمزها. )) (ص361)


إذاً الهمزة في القرآن كُتبت بأشكال مختلفة لأن كتبة القرآن الحجازيين ما كانوا ينطقون الهمزة، وبعد نسخ المصاحف العثمانية صارت هذه المصاحف هي المرجع ليس في التلاوة فحسب بل وحتى في الإملاء، ولذلك ومن باب التمسك بطريقة كتابة الهمزة في القرآن فإن من كان يهمز صار لا يكتب الهمزة بالألف بل يكتبها كما هي مكتوبة في المصحف فتارة على ألف وتارة على ياء وتارة على واو، فصار الذي يهمز حين يكتب كلمة "بئر" لا يكتبها "بأر" كما كان يفعل العرب قديما، بل يكتبها "بئر" بالياء، ولذلك تُكتب الهمزة اليوم بهذه الأشكال المختلفة لأن الفصحى الحديثة تنطق الهمزات، وفي نفس الوقت تم بناء قواعد الإملاء العربي على الرسم العثماني الذي لا يوجد فيه همز. كل هذا أدى إلى الأشكال المختلفة التي تأخذها الهمزة في الكتابة العربية بدلاً من أن يكون لها شكل واحد كما في العبرية التي تكتب الهمزة بالألف فقط.

يقول غانم قدوري:

((وبعد أن أُرسلت المصاحف العثمانية إلى الأمصار الإسلامية كانت معتمد الأمة في كل الأقطار والأمصار ليس في تحقيق ألفاظ التلاوة وحسب بل في رسم  الكلمات أيضا، وقد مرت الأيام مسرعة وتعرضت اللغة العربية في المجتمعات الجديدة إلى امتزاج لغوي بين اللهجات العربية التي كان يتقاسمها سكان الجزيرة. وكانت ظاهرة الهمز إحدى جوانب ذلك الامتزاج اللغوي، حيث أن العربية أخذت تتبنى ظاهرة الهمز وساعد على ذلك تبني الحركة العلمية اللغوية في العراق له بسبب اتجاه العلماء إلى أخذ اللغة عن قبائل شرق الجزيرة ووسطها – وهم ينطقون الهمزة-  وبسبب أن بلاد العراق مفتوحة على وسط  الجزيرة وعلى اتصال دائم بها وقد نزلت أقوام كثيرة من وسط الجزيرة في العراق. )) (رسم المصحف ص575 بتصرف)


ثم يقول: ((وبذلك صار الناس حين يكتبون في المصاحف وفي الأمور العلمية والحياتية الأخرى صاروا يصورون الهمزة بأحد الحروف الثلاثة (ا ي و) مع العلامة التي تدل على الهمزة فوقه، اقتداء بالرسم العثماني، ونُسي أن الألف هي الأصل في رمز الهمزة، ونُسي أن المصاحف العثمانية كُتبت في الحجاز بلغة الذين يسهلون الهمزة إلا في أوائل الكلمات، لكن حرص الناس على التمسك بما أجمع عليه الصحابة في  المدينة وهو الرسم العثماني جعلهم يحرصون على الاحتفاظ بصور الكلمات كما جاءت في المصحف، وكانت الكلمات المهموزة قد رُسمت على التسهيل أي أن الهمزة كانت تلفظ وترسم واوا أو ياء أو ألفاً، وحين استعملوا صور هجاء الكلمات المهموزة الواردة في الرسم العثماني أبقوا الرسم على حاله واكتفوا بالتعليم على الحروف التي تقع في موقع الهمزة بعلامة توضع فوقها، وكانت نقطة في أول الأمر ثم صارت بعد الخليل رأس عين.)) (رسم المصحف ص577)

  1. Marijn Van Putten, Quranic Arabic, p.282
  2. Ahmad Al-Jallad, The Arabic of the Islamic conquests, 2017, p11]
  3. Ibid, p12
  4. Ibid, p14
  5. Kaplony, Andreas, The orthography and pronunciation of Arabic names and terms in the Greek , p.16
  6. Ibid, p12
  7. Ibid, p13
  8. Ahmad Al-Jallad, The Damascus Psalm Fragment, 2020, p.21
  9. Ibid, p.79
  10. Ibid, p.22
  11. Ibid, p.84
  12. Ibid, p.90
  13. Ibid, p.91
  14. Ibid, p.79
  15. Ibid, p.51
  16. Ibid, p.48
  17. Ibid, p.49
  18. Ibid, p.80
  19. Ahmad Al-Jallad, The Arabic of the Islamic conquests, p.428
  20. Ibid, p.90
  21. Ibid, p.22
  22. Ibid, p.79
  23. المرجع السابق ص46
  24. Blau and Hopkins, Judaeo-Arabic papyri, 1987,  p.154
  25. Joshua Blau, A handbook of early Middle Arabic, 2002, p.140
  26. Blau and Hopkins, Judaeo-Arabic Papyri, 1987, p.126
  27. Blau and Hopkins, Judaeo-Arabic Papyri, 1987, p. 149
  28. Ibid, p.151
  29. Ibid, p.152
  30. Ibid, p.155