بحسب التقليد الإسلامي، انخرط المجتمع الإسلاميّ الأوّلي في صراع شبه دائم مع القبائل العربية المجاورة واليهود المحليين ووثنيي مكة. وأول وثيقة مؤرخة بشكل مستقلّ تتحدّث عن محمد نمتلكها هي الوثيقة الإغريقية Διδασκαλία Ἰακώβου Didaskalia Iacobou (أي تعاليم يعقوب) التي تشير إلى أنّ النبي ورجاله أتوا إلى فلسطين "مسلّحين بالسيف". ودائماً ما صحب النهب والسلب الحروب في تلك الحقبة من التاريخ بالأخص من قبل الجيش الفائز فيها، وإنّ موضوع أخذ الغنيمة يُذكر مراراً وتكراراً في المصادر الإسلامية الأولية، فهو بذلك عامل مهمّ، بل دافع للحركة الإسلامية الأولية. يصور الحديث والسيرة محمداً على أنه قائد معارك عربي نموذجيّ، يهتمّ بشأن الغنيمة وتدفعه حاجته إلى الحصول على المزيد منها إلى القتال.
أحل الله الغنيمة لمحمد
يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلْأَنفَالِ ۖ قُلِ ٱلْأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ ۖ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُوا۟ ذَاتَ بَيْنِكُمْ ۖ وَأَطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَىْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمْ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ ۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ
وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُۥ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ ۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ
لَّوْلَا كِتَٰبٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ فَكُلُوا۟ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَٰلًا طَيِّبًا ۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
خُذْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ الْفَقِيرُ، حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ـ رضى الله عنهما ـ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " أُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ ".
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رضى الله عنه ـ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ فَقَالَ لِقَوْمِهِ لاَ يَتْبَعْنِي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ وَهْوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا وَلَمَّا يَبْنِ بِهَا، وَلاَ أَحَدٌ بَنَى بُيُوتًا وَلَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا، وَلاَ أَحَدٌ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ وَهْوَ يَنْتَظِرُ وِلاَدَهَا. فَغَزَا فَدَنَا مِنَ الْقَرْيَةِ صَلاَةَ الْعَصْرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ لِلشَّمْسِ إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ، اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا. فَحُبِسَتْ، حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَجَمَعَ الْغَنَائِمَ، فَجَاءَتْ ـ يَعْنِي النَّارَ ـ لِتَأْكُلَهَا، فَلَمْ تَطْعَمْهَا، فَقَالَ إِنَّ فِيكُمْ غُلُولاً، فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ. فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ فَقَالَ فِيكُمُ الْغُلُولُ. فَلْتُبَايِعْنِي قَبِيلَتُكَ، فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ بِيَدِهِ فَقَالَ فِيكُمُ الْغُلُولُ، فَجَاءُوا بِرَأْسٍ مِثْلِ رَأْسِ بَقَرَةٍ مِنَ الذَّهَبِ فَوَضَعُوهَا، فَجَاءَتِ النَّارُ فَأَكَلَتْهَا، ثُمَّ أَحَلَّ اللَّهُ لَنَا الْغَنَائِمَ، رَأَى ضَعْفَنَا وَعَجْزَنَا فَأَحَلَّهَا لَنَا ".
(ما نَزَلَ فِي الأُسارى والمَغانِمِ):
قالَ ابْنُ إسْحاقَ: ثُمَّ عاتَبَهُ اللَّهُ تَعالى فِي الأُسارى، وأخْذِ المَغانِمِ [١]، ولَمْ يَكُنْ أحَدٌ قَبْلَهُ مِن الأنْبِياءِ يَأْكُلُ مَغْنَمًا مِن عَدُوٍّ لَهُ.
قالَ ابْنُ إسْحاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ أبُو جَعْفَرِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وجُعِلَتْ لِي الأرْضُ مَسْجِدًا [٢] وطَهُورًا، وأُعْطِيتُ جَوامِعَ الكَلِمِ، وأُحِلَّتْ لِي المَغانِمُ ولَمْ تُحْلَلْ لِنَبِيٍّ كانَ قَبْلِي، وأُعْطِيتُ الشَّفاعَةَ، خَمْسٌ لَمْ يُؤْتَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي. قالَ ابْنُ إسْحاقَ: فَقالَ: ما كانَ لِنَبِيٍّ ٨: ٦٧: أيْ قَبْلَكَ أنْ يَكُونَ لَهُ أسْرى ٨: ٦٧ مِن عَدُوِّهِ حَتّى يُثْخِنَ فِي الأرْضِ ٨: ٦٧، أيْ يُثْخِنَ [٣] عَدُوَّهُ، حَتّى يَنْفِيَهُ مِن الأرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا ٨: ٦٧: أيْ المَتاعَ، الفِداءَ بِأخْذِ الرِّجالِ والله يُرِيدُ الآخِرَةَ ٨: ٦٧: أيْ قَتْلَهُمْ لِظُهُورِ الدِّينِ الَّذِي يُرِيدُ إظْهارَهُ، واَلَّذِي تُدْرَكُ بِهِ الآخِرَةُ لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أخَذْتُمْ ٨: ٦٨: أيْ مِن الأُسارى والمَغانِمِ عَذابٌ عَظِيمٌ ٨: ٦٨: أيْ لَوْلا أنَّهُ سَبَقَ مِنِّي أنِّي لا أُعَذِّبُ إلّا بَعْدَ النَّهْيِ ولَمْ يَكُ نَهاهُمْ، لَعَذَّبْتُكُمْ فِيما صَنَعْتُمْ، ثُمَّ أحَلَّها لَهُ ولَهُمْ رَحْمَةً مِنهُ، وعائِدَةٌ مِن الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقالَ فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّبًا واتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ٨: ٦٩.
ثُمَّ قالَ تَعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ، فَأنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ، وأثابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا. ومَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها، وكانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا. وعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ، وكَفَّ أيْدِيَ النّاسِ عَنْكُمْ، ولِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ويَهْدِيَكُمْ صِراطًا مُسْتَقِيمًا. وأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أحاطَ اللَّهُ بِها، وكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ٤٨: ١٨- ٢١.
(حِصارُهُمْ ومَقالَةُ كَعْبِ بْنِ أسَدٍ لَهُمْ):
(قالَ) [٣]: وحاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَمْسًا وعِشْرِينَ [٤] لَيْلَةً، حَتّى جَهَدَهُمْ الحِصارُ، وقَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ.
وقَدْ كانَ حُيَيُّ بْنُ أخْطَبَ دَخَلَ مَعَ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي حِصْنِهِمْ، حِينَ رَجَعَتْ عَنْهُمْ قُرَيْشٌ وغَطَفانُ، وفاءً لِكَعْبِ بْنِ أسَدٍ بِما كانَ عاهَدَهُ عَلَيْهِ. فَلَمّا أيْقَنُوا بِأنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ مُنْصَرِفٍ عَنْهُمْ حَتّى يُناجِزَهُمْ، قالَ كَعْبُ ابْن أسَدٍ لَهُمْ: يا مَعْشَرَ يَهُودَ، قَدْ نَزَلَ بِكُمْ مِن الأمْرِ ما تَرَوْنَ، وإنِّي عارِضٌ عَلَيْكُمْ خِلالًا ثَلاثًا، فَخُذُوا أيَّها شِئْتُمْ، قالُوا: وما هِيَ؟ قالَ: نُتابِعُ هَذا الرجل ونصدّقه فو الله لَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ أنَّهُ لَنَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وأنَّهُ لَلَّذِي تَجِدُونَهُ فِي كِتابِكُمْ، فَتَأْمَنُونَ عَلى دِمائِكُمْ وأمْوالِكُمْ وأبْنائِكُمْ ونِسائِكُمْ [٥]، قالُوا: لا نُفارِقُ حُكْمَ التَّوْراةِ أبَدًا، ولا نَسْتَبْدِلُ بِهِ غَيْرَهُ، قالَ: فَإذا أبَيْتُمْ عَلَيَّ هَذِهِ، فَهَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ أبْناءَنا ونِساءَنا، ثُمَّ نَخْرُجُ إلى مُحَمَّدٍ وأصْحابِهِ رِجالًا مُصْلِتِينَ السُّيُوفَ، لَمْ نَتْرُكْ وراءَنا ثَقَلًا، حَتّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وبَيْنَ مُحَمَّدٍ، فَإنْ نَهْلِكْ نَهْلِكُ، ولَمْ نَتْرُكْ وراءَنا نَسْلًا نَخْشى عَلَيْهِ، وإنْ نَظْهَرْ فَلَعَمْرِي لِنَجِدَنَّ [١] النِّساءَ والأبْناءَ، قالُوا: نَقْتُلُ هَؤُلاءِ المَساكِينِ! فَما خَيْرُ العَيْشِ بَعْدَهُمْ؟ قالَ: فَإنْ أبَيْتُمْ عَلَيَّ هَذِهِ، فَإنَّ اللَّيْلَةَ لَيْلَةُ السَّبْتِ، وإنَّهُ عَسى أنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ وأصْحابُهُ قَدْ أمَّنُونا [٢] فِيها، فانْزِلُوا لَعَلَّنا نُصِيبُ مِن مُحَمَّدٍ وأصْحابِهِ غِرَّةً، قالُوا: نُفْسِدُ سَبْتَنا عَلَيْنا، ونُحْدِثُ فِيهِ ما لَمْ يُحْدِثْ مَن كانَ قَبْلَنا إلّا مَن قَدْ عَلِمْتُ، فَأصابَهُ ما لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ مِن المَسْخِ! قالَ: ما باتَ رَجُلٌ مِنكُمْ مُنْذُ ولَدَتْهُ أُمُّهُ لَيْلَةً واحِدَةً مِن الدَّهْرِ حازِمًا.
(رِضاءُ الرَّسُولِ بِحُكْمِ سَعْدٍ):
قالَ ابْنُ إسْحاقَ: فَحَدَّثَنِي عاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو ابْن سَعْدِ بْنِ مُعاذٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وقّاصٍ اللَّيْثِيِّ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِسَعْدٍ: لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ مِن فَوْقِ سَبْعَةِ أرْقِعَةٍ [١].
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْحاقَ عَمَّنْ لا يُتَّهَمُ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أنَّهُ كانَ يَقُولُ حِينَ فُتِحَتْ هَذِهِ الأمْصارُ فِي زَمَنِ عُمَرَ وعُثْمانَ وما بعده: افتتحوا ما بدا لكم! فو الذى نَفْسُ أبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ، ما افْتَتَحْتُمْ مِن مَدِينَةٍ ولا تَفْتَتِحُونَها إلى يَوْمِ القِيامَةِ إلا وقَدْ أُعْطِيَ مُحَمَّدٌ مَفاتِيحَها قَبْلَ ذَلِكَ.
قسمة الغنيمة
كيفيىة تقسيم الغنيمة
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ فُضَيْلٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، كَانَ عَطَاءُ الْبَدْرِيِّينَ خَمْسَةَ آلاَفٍ خَمْسَةَ آلاَفٍ. وَقَالَ عُمَرُ لأُفَضِّلَنَّهُمْ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ.
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ ـ رضى الله عنه ـ قَالَ أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَوْمًا وَمَنَعَ آخَرِينَ، فَكَأَنَّهُمْ عَتَبُوا عَلَيْهِ فَقَالَ " إِنِّي أُعْطِي قَوْمًا أَخَافُ ظَلَعَهُمْ وَجَزَعَهُمْ، وَأَكِلُ أَقْوَامًا إِلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالْغِنَى، مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ ". فَقَالَ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِكَلِمَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُمْرَ النَّعَمِ. وَزَادَ أَبُو عَاصِمٍ عَنْ جَرِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِمَالٍ أَوْ بِسَبْىٍ فَقَسَمَهُ. بِهَذَا.
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رضى الله عنهما ـ قَالَ قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا. قَالَ فَسَّرَهُ نَافِعٌ فَقَالَ إِذَا كَانَ مَعَ الرَّجُلِ فَرَسٌ فَلَهُ ثَلاَثَةُ أَسْهُمٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَسٌ فَلَهُ سَهْمٌ.
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ أَخْبَرَنِي زَيْدٌ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ـ رضى الله عنه ـ يَقُولُ أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلاَ أَنْ أَتْرُكَ آخِرَ النَّاسِ بَبَّانًا لَيْسَ لَهُمْ شَىْءٌ، مَا فُتِحَتْ عَلَىَّ قَرْيَةٌ إِلاَّ قَسَمْتُهَا كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ، وَلَكِنِّي أَتْرُكُهَا خِزَانَةً لَهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا.
قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الحارِثِ وغَيْرُهُ مِن أصْحابِنا عَنْ سُلَيْمانَ ابْنِ مُوسى، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أبِي أُمامَةَ الباهِلِيِّ- واسْمُهُ صُدَيُّ بْنُ عَجْلانَ فِيما قالَ ابْنُ هِشامٍ- قالَ: سَألْتُ عُبادَةَ بْنَ الصّامِتِ عَنْ الأنْفالِ، فَقالَ: فِينا أصْحابُ بَدْرٍ نَزَلَتْ حِينَ اخْتَلَفْنا فِي النَّفَلِ، وساءَتْ فِيهِ أخْلاقُنا، فَنَزَعَهُ اللَّهُ مِن أيْدِينا، فَجَعَلَهُ إلى رَسُولِهِ، فَقَسَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ المُسْلِمِينَ عَنْ بَواءٍ. يَقُولُ: عَلى السَّواءِ.
(ما نَزَلَ فِي تَقْسِيمِ الفَيْءِ):
ثُمَّ أعْلَمَهُمْ مَقاسِمَ الفَيْءِ وحُكْمَهُ فِيهِ، حِينَ أحَلَّهُ لَهُمْ، فَقالَ واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسُولِ ولِذِي القُرْبى واليَتامى والمَساكِينِ وابْنِ السَّبِيلِ إنْ كُنْتُمْ آمَنتُمْ بِاللَّهِ وما أنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الفُرْقانِ يَوْمَ التَقى الجَمْعانِ والله عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ٨: ٤١
(قَسْمُ فَيْءِ بَنِي قُرَيْظَةَ):
قالَ ابْنُ إسْحاقَ: ثُمَّ إنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَسَمَ أمْوالَ بَنِي قُرَيْظَةَ ونِساءَهُمْ وأبْناءَهُمْ عَلى المُسْلِمِينَ، وأعْلَمَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ سُهْمانَ الخَيْلِ وسُهْمانَ الرِّجالِ، وأخْرَجَ مِنها الخُمُسَ، فَكانَ لِلْفارِسِ ثَلاثَةُ أسْهُمٍ، لِلْفَرَسِ سَهْمانِ ولِفارِسِهِ سَهْمٌ، ولِلرّاجِلِ، مَن لَيْسَ لَهُ فَرَسٌ، سَهْمٌ. وكانَتْ الخَيْلُ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ سِتَّةً وثَلاثِينَ فَرَسًا، وكانَ أوَّلَ فَيْءٍ وقَعَتْ فِيهِ السُّهْمانُ، وأُخْرِجَ مِنها الخُمْسُ، فَعَلى سُنَّتِها وما مَضى مِن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيها وقَعَتْ المَقاسِمُ، ومَضَتْ السُّنَّةُ فِي المَغازِي.
وكانَ دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ الكَلْبِيُّ قَدْ سَألَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَفِيَّةَ، فَلَمّا أصْفاها لِنَفْسِهِ أعْطاهُ ابْنَتَيْ عَمِّها، وفَشَتْ السَّبايا مِن خَيْبَرَ فِي المُسْلِمِينَ.
(نَهى الرَّسُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ أشْياءَ):
وأكَلَ المُسْلِمُونَ لُحُومَ الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ مِن حُمُرِها، فَقامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَنَهى النّاسَ عَنْ أُمُورٍ سَمّاها لَهُمْ.
ذِكْرُ مَقاسِمِ خَيْبَرَ وأمْوالِها
(الشِّقُّ ونَطاةُ والكَتِيبَةُ):
قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وكانَتْ المَقاسِمُ عَلى أمْوالِ خَيْبَرَ، عَلى الشِّقِّ ونَطاةَ والكَتِيبَةِ فَكانَتْ الشِّقُّ ونَطاةُ فِي سُهْمانِ المُسْلِمِينَ، وكانَتْ الكَتِيبَةُ خُمُسَ اللَّهِ، وسَهْمَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وسَهْمَ ذَوِي القُرْبى واليَتامى والمَساكِينِ، وطُعْمَ أزْواجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وطُعْمَ رِجالٍ مَشَوْا بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وبَيْنَ أهْلِ فَدَكَ بِالصُّلْحِ، مِنهُمْ مُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، أعْطاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاثِينَ وسْقًا [٥] مِن شَعِيرٍ، وثَلاثِينَ وسْقًا مِن تَمْرٍ، وقُسِمَتْ خَيْبَرُ عَلى أهْلِ الحُدَيْبِيَةِ، مَن شَهِدَ خَيْبَرَ، ومَن غابَ عَنْها، ولَمْ يَغِبْ عَنْها إلّا جابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرامٍ، فَقَسَمَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَسَهْمِ مَن حَضَرَها، وكانَ وادِياها، وادِي السُّرَيْرَةِ، ووادِي خاصٍّ [٦]، وهُما اللَّذانِ قُسِمَتْ عَلَيْهِما خَيْبَرُ، وكانَتْ نَطاةُ والشِّقُّ ثَمانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، نَطاةُ مِن ذَلِكَ خَمْسَةُ أسْهُمٍ، والشِّقُّ ثَلاثَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وقُسِمَتْ الشِّقُّ ونَطاةُ عَلى ألْفِ سهم، وثمان مائَة سَهْمٍ.
ثُمَّ قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الكَتِيبَةَ، وهِيَ وادِي خاصٍّ [٣]، بَيْنَ قَرابَتِهِ وبَيْنَ نِسائِهِ، وبَيْنَ رِجالِ المُسْلِمِينَ ونِساءٍ أعْطاهُمْ مِنها، فَقَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لفاطمة ابْنَته مِائَتي وسْقٍ، ولِعَلِيِّ بْنِ أبى طالب مائَة وسْقٍ، ولِأُسامَةَ ابْن زيد مِائَتي وسْقٍ، وخَمْسِينَ وسْقًا مِن نَوًى، ولِعائِشَةَ أمّ المُؤمنِينَ مِائَتي وسْقٍ، ولِأبِي بَكْرِ بْنِ أبى قُحافَة مائَة وسْقٍ، ولِعَقِيلِ بْنِ أبى طالب مائَة وسْقٍ وأرْبَعِينَ وسْقًا، ولِبَنِي جَعْفَرٍ خَمْسِينَ وسْقًا، ولِرَبِيعَةَ بن الحارِث مائَة وسْقٍ، ولِلصَّلْتِ بْنِ مخرمَة وابنيه مائَة وسْقٍ، لِلصَّلْتِ مِنها أرْبَعُونَ وسْقًا، ولِأبِي نَبْقَةَ [٤] خَمْسِينَ وسْقًا، ولِرُكانَةَ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ خَمْسِينَ وسْقًا، ولِقَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ ثَلاثِينَ وسْقًا، ولِأبِي القاسِمِ ابْن مَخْرَمَةَ أرْبَعِينَ وسْقًا، ولِبَناتِ عُبَيْدَةَ بْنِ الحارِثِ وابْنَةِ الحُصَيْنِ بن الحارِث مائَة وسْقٍ، ولِبَنِي عُبَيْدِ [٥] بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ سِتِّينَ وسْقًا، ولِابْنِ أوْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ ثَلاثِينَ وسْقًا. ولِمِسْطَحِ بْنِ أُثاثَةَ وابْنِ إلْياسَ خَمْسِينَ وسْقًا، ولِأُمِّ رُمَيْثَةَ أرْبَعِينَ وسْقًا، ولِنُعَيْمِ بْنِ هِنْدٍ ثَلاثِينَ وسْقًا، ولِبُحَيْنَةَ بِنْتِ الحارِثِ ثَلاثِينَ وسْقًا، ولِعُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ ثَلاثِينَ وسْقًا، ولِأُمِّ حَكِيمٍ [١] (بِنْتِ الزُّبَيْنِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ [٢]) ثَلاثِينَ وسْقًا، ولِجُمانَةِ بِنْتِ أبِي طالِبٍ ثَلاثِينَ وسْقًا، ولِابْنِ [٣] الأرْقَمِ خَمْسِينَ وسْقًا، ولِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي بَكْرٍ أرْبَعِينَ وسْقًا، ولِحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ ثَلاثِينَ وسْقًا، ولِأُمِّ الزُّبَيْرِ أرْبَعِينَ وسْقًا، وِلِضُباعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ أرْبَعِينَ وسْقًا، ولِابْنِ أبِي خُنَيْسٍ ثَلاثِينَ وسْقًا، ولِأُمِّ طالِبٍ أرْبَعِينَ وسْقًا، ولِأبِي بَصْرَةَ [٤] عِشْرِينَ وسْقًا، ولِنُمَيْلَةَ الكَلْبِيِّ خَمْسِينَ وسْقًا، ولِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ وهْبٍ وابْنَتَيْهِ تِسْعِينَ وسْقًا، لابْنَيْهِ مِنها أرْبَعِينَ وسْقًا، ولِأُمِّ حَبِيبٍ بِنْتِ جَحْشٍ ثَلاثِينَ وسْقًا، ولِمَلْكُو بْنِ عَبَدَةَ ثَلاثِينَ وسْقًا، ولِنِسائِهِ صلى الله عليه وسلم سبع مائَة وسْقٍ.
قالَ ابْنُ هِشامٍ [٥]: قَمْحٌ وشَعِيرٌ وتَمْرٌ ونَوًى وغَيْرُ ذَلِكَ، قَسَمَهُ عَلى قَدْرِ حاجَتِهِمْ وكانَتْ الحاجَةُ فِي بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ أكْثَرَ، ولِهَذا أعْطاهُمْ أكْثَرَ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم
(عَهْدُ الرَّسُولِ إلى نِسائِهِ بِنَصِيبِهِنَّ فِي المَغانِمِ):
ذِكْرُ ما أعْطى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نِساءَهُ مِن قَمْحِ خَيْبَرَ [٦]:
قسم [٧] لهنّ مائَة وسْقٍ وثَمانِينَ وسْقًا، ولِفاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَمْسَةً وثَمانِينَ وسْقًا، ولِأُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ أرْبَعِينَ وسْقًا، ولِلْمِقْدادِ بْنِ الأسْوَدِ خَمْسَةَ عَشَرَ وسْقًا، ولِأُمِّ رُمَيْثَةَ [١] خَمْسَةَ أوْسُقٍ.
شَهِدَ عُثْمانُ بْنُ عَفّانَ وعَبّاسٌ وكَتَبَ.
(ما أوْصى بِهِ الرَّسُولُ عِنْدَ مَوْتِهِ):
قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وحَدَّثَنِي صالِحُ بْنُ كَيْسانَ، عَنْ ابْنِ شِهابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، قالَ: لَمْ يُوصِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ مَوْتِهِ إلّا بِثَلاثِ [٢]، أوْصى للرّهاويين [٣] بجادّ مائَة وسْقٍ مِن خَيْبَرَ، وللداريين [٤] بجادّ مائَة وسْقٍ [٥] مِن خَيْبَرَ، ولِلسَّبائِيِّينَ، وللأشعريين بجادّ مائَة وسْقٍ مِن خَيْبَرَ.
وأوْصى بِتَنْفِيذِ [٦] بَعْثِ أُسامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حارِثَةَ، وألّا يُتْرَكَ بِجَزِيرَةِ العَرَبِ دِينانِ.
(شَأْنُ أبِي قَتادَةَ وسَلَبُهُ):
قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبِي بَكْرٍ، أنَّهُ حُدِّثَ عَنْ أبِي قَتادَةَ الأنْصارِيِّ قالَ: وحَدَّثَنِي مَن لا أتَّهِمُ مِن أصْحابِنا، عَنْ نافِعٍ مَوْلى بَنِي غِفارٍ أبِي مُحَمَّدٍ عَنْ أبِي قَتادَةَ، قالا [٣]: قالَ أبُو قَتادَةَ: رَأيْتُ يَوْمَ حُنَيْنٍ رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ: مُسْلِمًا ومُشْرِكًا، قالَ: وإذا رَجُلٌ مِن المُشْرِكِينَ يُرِيدُ أنْ يُعِينَ صاحِبَهُ المُشْرِكَ عَلى المُسْلِمِ.
قالَ: فَأتَيْتُهُ، فَضَرَبْتُ يَدَهُ، فَقَطَعْتُها، واعْتَنَقَنِي بِيَدِهِ الأُخْرى، فو الله ما أرْسَلَنِي حَتّى وجَدْتُ رِيحَ الدَّمِ- ويُرْوى: رِيحَ المَوْتِ، فِيما قالَ ابْنُ هِشامٍ [٤]- وكادَ يَقْتُلُنِي، فَلَوْلا أنَّ الدَّمَ نَزَفَهُ [٥] لَقَتَلَنِي، فَسَقَطَ، فَضَرَبْتُهُ فَقَتَلْتُهُ، وأجْهَضَنِي عَنْهُ القِتالُ [٦]، ومَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِن أهْلِ مَكَّةَ فَسَلَبَهُ، فَلَمّا وضَعَتْ الحَرْبُ أوْزارَها [٧] وفَرَغْنا مِن القَوْمِ، قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَن قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبَهُ، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، واَللَّهِ لَقَدْ قَتَلْتُ قَتِيلًا ذا سَلَبٍ، فَأجْهَضَنِي عَنْهُ القِتالُ، فَما أدْرِي مَن اسْتَلَبَهُ؟ فَقالَ رَجُلٌ مِن أهْلِ مَكَّةَ: صَدَقَ يا رَسُولَ اللَّهِ، وسَلَبُ ذَلِكَ القَتِيلِ عِنْدِي، فَأرْضِهِ عَنِّي مِن سَلَبِهِ، فَقالَ أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ﵁:
لا واَللَّهِ، لا يُرْضِيهِ مِنهُ، تَعْمِدُ إلى أسَدٍ مِن أُسْدِ اللَّهِ، يُقاتِلُ عَنْ دِينِ اللَّهِ، تُقاسِمُهُ سَلَبَهُ! اُرْدُدْ عَلَيْهِ سَلَبَ قَتِيلِهِ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: صَدَقَ اُرْدُدْ عَلَيْهِ سَلَبَهُ. فَقالَ أبُو قَتادَةَ: فَأخَذْتُهُ مِنهُ، فَبِعْتُهُ، فاشْتَرَيْتُ بِثَمَنِهِ مَخْرَفًا [١]، فَإنَّهُ لَأوَّلُ مالٍ اعْتَقَدْتُهُ [٢]. قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وحَدَّثَنِي مَن لا أتَّهِمُ، عَنْ أبِي سَلَمَةَ، عَنْ إسْحاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ابْن أبِي طَلْحَةَ، عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ، قالَ: لَقَدْ اسْتَلَبَ أبُو طَلْحَةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وحْدَهُ عِشْرِينَ رَجُلًا.
(نُصْرَةُ المَلائِكَةِ):
قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وحَدَّثَنِي أبِي إسْحاقُ بْنُ يَسارٍ، (أنَّهُ حُدِّثَ) [٣] عَنْ جُبَيْرِ ابْن مُطْعِمٍ، قالَ: لَقَدْ رَأيْتُ قَبْلَ هَزِيمَةِ القَوْمِ والنّاسُ يَقْتَتِلُونَ مِثْلَ البِجادِ [٤] الأسْوَدِ، أقْبَلَ مِن السَّماءِ حَتّى سَقَطَ بَيْنَنا وبَيْنَ القَوْمِ، فَنَظَرْتُ، فَإذا نَمَلٌ أسْوَدُ مَبْثُوثٌ [٥] قَدْ مَلَأ الوادِيَ، لَمْ أشُكَّ أنَّها المَلائِكَةُ، ثُمَّ لَمْ يَكُنْ [٦] إلّا هَزِيمَةُ القَوْمِ.
ثُمَّ إنَّ رسول الله ص أمَرَ بِما فِي العَسْكَرِ مِمّا جَمَعَ النّاسُ فَجُمِعَ، فاخْتَلَفَ المُسْلِمُونَ فِيهِ، فَقالَ مَن جَمَعَهُ: هو لنا، قد كان رسول الله ص نَفَّلَ كُلَّ امْرِئٍ ما أصابَ، فَقالَ الَّذِينَ كانُوا يُقاتِلُونَ العَدُوَّ ويَطْلُبُونَهُمْ: لَوْلا نَحْنُ ما أصَبْتُمُوهُ، لَنَحْنُ شَغَلْنا القَوْمَ عَنْكُمْ حَتّى أصَبْتُمْ ما أصَبْتُمْ فَقالَ الَّذِينَ يَحْرُسُونَ رَسُولَ اللَّهِ ص مَخافَةَ أنْ يُخالِفَ إلَيْهِ العَدُوُّ: واللَّهِ ما أنْتُمْ بِأحَقَّ بِهِ مِنّا، لَقَدْ رَأيْنا أنْ نَقْتُلَ العَدُوَّ إذْ ولّانا اللَّهُ، ومَنَحَنا أكْتافَهُمْ، ولَقَدْ رَأيْنا أنْ نَأْخُذَ المَتاعَ حِينَ لَمْ يَكُنْ دُونَهُ مَن يَمْنَعُهُ، ولَكِنْ خفنا على رسول الله ص كَرَّةَ العَدُوِّ، فَقُمْنا دُونَهُ، فَما أنْتُمْ بِأحَقَّ بِهِ مِنّا.
حَدَّثَنا ابْنُ حُمَيْدٍ، قالَ: حَدَّثَنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال:
وحدثني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الحارِثِ وغَيْرُهُ مِن أصْحابِنا، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ موسى الأشْدَقِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أبِي أُمامَةَ الباهِلِيِّ، قالَ: سَألْتُ عُبادَةَ بْنَ الصّامِتِ عَنِ الأنْفالِ، فَقالَ: فِينا مَعْشَرَ أصْحابِ بَدْرٍ نَزَلَتْ، حِينَ اخْتَلَفْنا فِي النَّفْلِ، وساءَتْ فِيهِ أخْلاقُنا، فَنَزَعَهُ اللَّهُ مِن أيْدِينا، فجعله الى رسوله، فقسمه رسول الله ص بَيْنَ المُسْلِمِينَ عَنْ بُواءٍ- يَقُولُ عَلى السَّواءِ- فَكانَ فِي ذَلِكَ تَقْوى اللَّهِ، وطاعَةُ رَسُولِهِ، وصَلاحُ ذاتِ البَيْنِ.
قالَ ابْنُ إسْحاقَ: ثُمَّ ان رسول الله ص قَسَمَ أمْوالَ بَنِي قُرَيْظَةَ ونِساءَهُمْ وأبْناءَهُمْ عَلى المُسْلِمِينَ، وأعْلَمَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ سَهْمانِ الخَيْلِ وسَهْمانِ الرِّجالِ، وأخْرَجَ مِنها الخُمُسَ، فَكانَ لِلْفارِسِ ثَلاثَةُ أسْهُمٍ، لِلْفَرَسِ سَهْمانِ ولِفارِسِهِ سَهْمٌ، ولِلرّاجِلِ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ فَرَسٌ سَهْمٌ، وكانَتِ الخَيْلُ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ سِتَّةً وثَلاثِينَ فَرَسًا، وكانَ أول فيء وقع فيه السهمان واخرج منه الخُمُسِ، فَعَلى سُنَّتِها وما مَضى مِن رَسُولِ الله ص فِيها وقَعَتِ المَقاسِمُ، ومَضَتِ السُّنَّةُ فِي المَغازِي، ولَمْ يَكُنْ يُسْهَمُ لِلْخَيْلِ إذا كانَتْ مَعَ الرَّجُلِ إلا لِفَرَسَيْنِ.
ذكر مقاسم خيبر وأموالها
حَدَّثَنا ابن حميد، قال: حَدَّثَنا سلمة، عن مُحَمَّدِ بْنِ إسْحاقَ، قالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبِي بَكْرٍ، قالَ: كانَتِ المَقاسِمُ عَلى أمْوالِ خَيْبَرَ عَلى الشِّقِّ ونَطاةَ والكَتِيبَةِ، فَكانَتِ الشِّقُّ ونَطاةُ فِي سُهْمانِ المُسْلِمِينَ، وكانَتِ الكَتِيبَةُ خمس الله ﷿ وخمس النبي ص، وسَهْمَ ذَوِي القُرْبى واليَتامى والمَساكِينِ وابْنِ السَّبِيلِ، وطُعْمَ أزْواجِ النَّبِيِّ، وطُعْمَ رِجالٍ مَشَوْا بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ وبَيْنَ أهْلِ فَدَكَ بِالصُّلْحِ، مِنهُمْ محيصه ابن مسعود، اعطاه رسول الله ص مِنها ثَلاثِينَ وسْقَ شَعِيرٍ، وثَلاثِينَ وسْقَ تَمْرٍ وقُسِّمَتْ خَيْبَرُ عَلى أهْلِ الحُدَيْبِيَةِ، مَن شَهِدَ مِنهُمْ خَيْبَرَ ومَن غابَ عَنْها، ولَمْ يَغِبْ عَنْها إلا جابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حرام الأنصاري، فقسم له رسول الله ص كَسَهْمِ مَن حَضَرَها قال: ولما فرغ رسول الله ص مِن خَيْبَرَ قَذَفَ اللَّهُ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أهْلِ فَدَكَ حِينَ بَلَغَهُمْ ما أوْقَعَ اللَّهُ بِأهْلِ خَيْبَرَ، فَبَعَثُوا إلى رَسُولِ اللَّهِ يُصالِحُونَهُ عَلى النِّصْفِ مِن فَدَكَ، فَقَدِمَتْ عَلَيْهِ رُسُلُهُمْ بِخَيْبَرَ أوْ بِالطّائِفِ، وإمّا بَعْدَ ما قَدِمَ المَدِينَةَ فَقَبِلَ ذَلِكَ مِنهُمْ، فَكانَتْ فَدَكُ لِرَسُولِ الله ص خاصَّةً، لأنَّهُ لَمْ يُوجِفْ عَلَيْها بِخَيْلٍ ولا رِكابٍ.
سَألْتُ ابْنَ شِهابٍ الزُّهْرِيَّ: كَيْفَ كانَ إعْطاءُ رَسُولِ اللَّهِ ص يَهُودَ خَيْبَرَ نَخِيلَهُمْ حِينَ أعْطاهُمُ النَّخْلَ عَلى خَرْجِها؟ أبَتَّ ذَلِكَ لَهُمْ حَتّى قُبِضَ، أمْ أعْطاهُمْ إيّاها لِضَرُورَةِ مِن غَيْرِ ذَلِكَ؟
فَأخْبَرَنِي ابن شهاب ان رسول الله ص افْتَتَحَ خَيْبَرَ عَنْوَةً بَعْدَ القِتالِ، وكانَتْ خَيْبَرُ مِمّا أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ، خَمَسَها رَسُولُ الله وقسمها بَيْنَ المُسْلِمِينَ، ونَزَلَ مَن نَزَلَ مِن أهْلِها عَلى الإجْلاءِ بَعْدَ القِتالِ، فَدَعاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ص فَقالَ: [إنْ شِئْتُمْ دَفَعْنا إلَيْكُمْ هَذِهِ الأمْوالَ عَلى أنْ تَعْمَلُوها، وتَكُونَ ثِمارُها بَيْنَنا وبَيْنَكُمْ، وأُقِرُّكُمْ ما أقَرَّكُمُ اللَّهُ] فَقَبِلُوا، فَكانُوا عَلى ذلك يعملونها وكان رسول الله ص يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَواحَةَ فَيَقْسِمُ ثَمَرَها، ويَعْدِلُ عَلَيْهِمْ فِي الخَرْصِ، فَلَمّا تَوَفّى اللَّهُ ﷿ نبيه ص أقَرَّها أبُو بَكْرٍ بَعْدَ النَّبِيِّ فِي أيْدِيهِمْ عَلى المُعامَلَةِ الَّتِي كانَ عامَلَهُمْ عَلَيْها رَسُولُ اللَّهِ حَتّى تُوُفِّيَ، ثُمَّ أقَرَّها عُمَرُ صَدْرًا مِن إمارَتِهِ، ثَمَّ بَلَغَ عُمَرَ أنَّ رَسُولَ الله ص قالَ فِي وجَعِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ: [لا يَجْتَمِعَنَّ بِجَزِيرَةِ العَرَبِ دِينانِ،] فَفَحَصَ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ حَتّى بَلَغَهُ الثَّبْتُ، فَأرْسَلَ إلى يَهُودَ أنَّ اللَّهَ قَدْ أذِنَ فِي إجْلائِكُمْ، فَقَدْ بلغنى ان رسول الله ص قالَ: [لا يَجْتَمِعَنَّ بِجَزِيرَةِ العَرَبِ دِينانِ،] فَمَن كانَ عِنْدَهُ عَهْدٌ مِن رَسُولِ اللَّهِ فَلْيَأْتِنِي بِهِ أُنْفِذْهُ لَهُ، ومَن لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عَهْدٌ مِن رَسُولِ اللَّهِ مِنَ اليَهُودِ فَلْيَتَجَهَّزْ لِلْجَلاءِ، فَأجْلى عُمَرُ مَن لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عهد من رسول الله ص مِنهُمْ.
حَدَّثَنِي حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ إسْحاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي طَلْحَةَ، عَنْ أنَسِ ابن مالِكٍ، قالَ: لَقَدِ اسْتَلَبَ أبُو طَلْحَةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ عِشْرِينَ رَجُلا وحْدَهُ هُوَ قَتَلَهُمْ.
ثُمَّ رَجَعَ الحَدِيثُ إلى حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، قالَ: فَلَمّا فَرَغَ رسول الله ص مِن رَدِّ سَبايا حُنَيْنٍ إلى أهْلِها، رَكِبَ واتَّبَعَهُ النّاسُ [يَقُولُونَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، اقْسِمْ علينا فيئنا الإبِلِ والغَنَمِ، حَتّى ألْجَئُوهُ إلى شَجَرَةٍ، فاخْتَطَفَتِ الشَّجَرَةُ عَنْهُ رِداءَهُ، فَقالَ: رُدُّوا عَلَيَّ رِدائِي ايها الناس، فو الله لَوْ كانَ لِي عَدَدَ شَجَرِ تِهامَةَ نِعَمًا لَقَسَمْتُها عَلَيْكُمْ، ثُمَّ ما لَقِيتُمُونِي بَخِيلا ولا جَبانًا ولا كَذّابًا ثُمَّ قامَ إلى جَنْبِ بَعِيرٍ، فَأخَذَ وبْرَةً مِن سِنامِهِ فَجَعَلَها بَيْنَ أُصْبَعَيْهِ، ثُمَّ رَفَعَها فَقالَ: أيُّها النّاسُ، إنَّهُ واللَّهِ لَيْسَ لِي مِن فَيْئِكُمْ ولا هَذِهِ الوَبَرَةُ إلا الخُمُسُ، والخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ، فَأدُّوا الخياط والمخيط، فَإنَّ الغُلُولَ يَكُونُ عَلى أهْلِهِ عارًا ونارًا وشَنارًا يَوْمَ القِيامَةِ فَجاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الأنْصارِ بِكُبَّةٍ مِن خُيُوطِ شَعَرٍ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ أخَذْتُ هَذِهِ الكُبَّةَ أعْمَلُ بِها بَرْذَعَةَ بَعِيرٍ لِي دُبِرَ، قالَ: أمّا نَصِيبِي مِنها فَلَكَ،] فَقالَ:
إنَّهُ إذا بَلَغْتَ هَذِهِ فَلا حاجَةَ لِي بِها، ثُمَّ طَرَحَها مِن يَدِهِ.
الحارِثُ بْنُ عَبْدِ كَلالٍ ونُعَيْمُ بن عبد كلال، والنعمان قيل ذي رعين، وهَمْدانَ ومَعافِرَ، وبَعَثَ إلَيْهِ زُرْعَةُ ذُو يَزَنَ مالِكُ بْنُ مُرَّةَ الرَّهاوِيُّ بِإسْلامِهِ، ومُفارَقَتِهِمُ الشِّرْكَ واهله، فكتب اليهم رسول الله ص:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِن مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ إلى الحارِثِ بْنِ عَبْدِ كَلالٍ ونعيم بن عبد كلال والنعمان قيل ذي رُعَيْنٍ وهَمْدانَ ومَعافِرَ، أمّا بَعْدَ ذَلِكُمْ، فَإنِّي أحْمَدُ إلَيْكُمُ اللَّهَ الَّذِي لا إلَهَ إلا هُوَ أمّا بَعْدُ، فَإنَّهُ قَدْ وقَعَ بِنا رَسُولُكُمْ مَقْفَلَنا مِن أرْضِ الرُّومِ، فَلَقِينا بِالمَدِينَةِ، فَبَلَغَ ما أرْسَلْتُمْ، وخَبَرُ ما قَبْلَكُمْ، وأنْبَأنا بِإسْلامِكُمْ وقَتْلِكُمُ المُشْرِكِينَ، وإنَّ اللَّهَ قَدْ هَداكُمْ بِهِدايَتِهِ، إنْ أصْلَحْتُمْ وأطَعْتُمُ اللَّهَ ورَسُولَهُ، وأقَمْتُمُ الصَّلاةَ، وآتَيْتُمُ الزَّكاةَ، وأعْطَيْتُمْ مِنَ المَغانِمِ خُمُسَ اللَّهِ، وسَهْمَ نَبِيِّهِ وصَفِيِّهِ، وما كَتَبَ عَلى المُؤْمِنِينَ مِنَ الصَّدَقَةِ مِنَ العَقارِ عُشْرَ ما سَقَتِ العَيْنُ وما سَقَتِ السَّماءُ، وكُلُّ ما سُقِيَ بِالغَرْبِ نِصْفُ العُشْرِ، وفِي الإبِلِ فِي الأرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ، وفِي ثَلاثِينَ مِنَ الإبِلِ ابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ، وفِي كُلِّ خُمُسٍ مِنَ الإبِلِ شاةٌ، وفِي كل عشر من الإبل شاتان، وفي كل أرْبَعِينَ مِنَ البَقَرِ بَقَرَةٌ، وفِي كُلِّ ثَلاثِينَ من البقر تبيع، جذع أو جذعة، وفي كُلِّ أرْبَعِينَ مِنَ الغَنَمِ سائِمَةٌ وحْدَها، شاةٌ وإنَّها فَرِيضَةُ اللَّهِ الَّتِي فَرَضَ عَلى المُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَةِ، فَمَن زادَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ، ومَن أدّى ذَلِكَ وأشْهَدَ عَلى إسْلامِهِ وظاهَرَ المُؤْمِنِينَ عَلى المُشْرِكِينَ، فَإنَّهُ مِنَ المُؤْمِنِينَ، له ما لهم وعَلَيْهِ ما عَلَيْهِمْ، ولَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وذِمَّةُ رَسُولِهِ وإنَّهُ مَن أسْلَمَ مِن يَهُودِيٍّ أوْ نَصْرانِيٍّ فَإنَّ لَهُ مِثْلَ ما لَهُمْ وعَلَيْهِ مِثْلَ ما عَلَيْهِمْ، ومَن كانَ عَلى يَهُودِيَّتِهِ أوْ نَصْرانِيَّتِهِ فَإنَّهُ لا يُفْتَنُ عَنْها، وعَلَيْهِ الجِزْيَةُ، عَلى كُلِّ حالِمٍ ذَكَرٍ أوْ أُنْثى، حُرٍّ أوْ عَبْدٍ، دِينارٌ وافٍ أوْ قِيمَتُهُ مِنَ المَعافِرِ أوْ عَرْضُهُ ثِيابًا، فَمَن أدّى ذَلِكَ إلى رَسُولِ اللَّهِ، فَإنَّ لَهُ ذِمَّةَ اللَّهِ وذِمَّةَ رَسُولِهِ
فِي أبْياتٍ قالَها، فقال رسول الله ص: أبْناؤُكُمْ ونِساؤُكُمْ أحَبُّ إلَيْكُمْ أمْ أمْوالُكُمْ؟ فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، خَيَّرْتَنا بَيْنَ أحْسابِنا وأمْوالِنا، بَلْ تَرُدُّ عَلَيْنا نِساءَنا وأبْناءَنا فَهُمْ أحَبُّ إلَيْنا، فَقالَ: أمّا ما كانَ لِي ولِبَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ، فَإذا أنا صَلَّيْتُ بِالنّاسِ، فَقُولُوا: إنّا نَسْتَشْفِعُ بِرَسُولِ اللَّهِ إلى المُسْلِمِينَ، وبِالمُسْلِمِينَ إلى رَسُولِ اللَّهِ فِي أبْنائِنا ونِسائِنا، فَسَأُعْطِيكُمْ عِنْدَ ذَلِكَ، وأسْألُ لَكُمْ، فَلَمّا صلى رسول الله ص بِالنّاسِ الظُّهْرَ، قامُوا فَتَكَلَّمُوا بِالَّذِي أمَرَهُمْ بِهِ، فقال رسول الله: أمّا ما كانَ لِي ولِبَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ، وقالَ المُهاجِرُونَ: وما كانَ لَنا فَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ، وقالَتِ الأنْصارُ:
وما كانَ لَنا فَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ قالَ الأقْرَعُ بْنُ حابِسٍ: أمّا أنا وبَنُو تَمِيمٍ فَلا، وقالَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ: أمّا أنا وبَنُو فَزارَةَ فلا، وقال عَبّاسُ بْنُ مِرْداسٍ: أمّا أنا وبَنُو سُلَيْمٍ فَلا، قالَتْ بَنُو سُلَيْمٍ: ما كانَ لَنا فَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ.
قالَ: يَقُولُ العَبّاسُ لِبَنِي سليم: وهنتمونى! [فقال رسول الله ص: أمّا مَن تَمَسَّكَ بِحَقِّهِ مِن هَذا السَّبْيِ مِنكُمْ فَلَهُ بِكُلِّ إنْسانٍ سِتُّ فَرائِضَ مِن أوَّلِ شَيْءٍ نُصِيبُهُ، فَرُدُّوا إلى النّاسِ أبْناءَهُمْ ونِساءَهُمْ].
ضمان الغنيمة للمجاهدين المسلمين
يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُوا۟ وَلَا تَقُولُوا۟ لِمَنْ أَلْقَىٰٓ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَٰمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا فَعِندَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ۚ كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوٓا۟ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا
وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَٰذِهِۦ وَكَفَّ أَيْدِىَ ٱلنَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ ءَايَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَٰطًا مُّسْتَقِيمًا
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ" مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ـ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ ـ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ، وَتَوَكَّلَ اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِهِ بِأَنْ يَتَوَفَّاهُ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ يَرْجِعَهُ سَالِمًا مَعَ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ ".
الخداع
حالات الخداع
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ هَذِهِ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يُلْقِيهِمْ " هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا ". قَالَ مُوسَى قَالَ نَافِعٌ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُنَادِي نَاسًا أَمْوَاتًا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا قُلْتُ مِنْهُمْ ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ قُرَيْشٍ مِمَّنْ ضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ أَحَدٌ وَثَمَانُونَ رَجُلاً، وَكَانَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ يَقُولُ قَالَ الزُّبَيْرُ قُسِمَتْ سُهْمَانُهُمْ فَكَانُوا مِائَةً، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
منع الخداع والمعاقبة عليه
حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالاَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، - قَالَ النُّفَيْلِيُّ الأَنْدَرَاوَرْدِيُّ - عَنْ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَائِدَةَ، - قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَصَالِحٌ هَذَا أَبُو وَاقِدٍ - قَالَ دَخَلْتُ مَعَ مَسْلَمَةَ أَرْضَ الرُّومِ فَأُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ غَلَّ فَسَأَلَ سَالِمًا عَنْهُ فَقَالَ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إِذَا وَجَدْتُمُ الرَّجُلَ قَدْ غَلَّ فَأَحْرِقُوا مَتَاعَهُ وَاضْرِبُوهُ " . قَالَ فَوَجَدْنَا فِي مَتَاعِهِ مُصْحَفًا فَسَأَلَ سَالِمًا عَنْهُ فَقَالَ بِعْهُ وَتَصَدَّقْ بِثَمَنِهِ .
النهب
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ حَدَّثَنِي ثَوْرٌ، قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمٌ، مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ ـ رضى الله عنه ـ يَقُولُ افْتَتَحْنَا خَيْبَرَ، وَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلاَ فِضَّةً، إِنَّمَا غَنِمْنَا الْبَقَرَ وَالإِبِلَ وَالْمَتَاعَ وَالْحَوَائِطَ، ثُمَّ انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى وَادِي الْقُرَى، وَمَعَهُ عَبْدٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ، أَهْدَاهُ لَهُ أَحَدُ بَنِي الضِّبَابِ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ حَتَّى أَصَابَ ذَلِكَ الْعَبْدَ، فَقَالَ النَّاسُ هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَصَابَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا ". فَجَاءَ رَجُلٌ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِشِرَاكٍ أَوْ بِشِرَاكَيْنِ، فَقَالَ هَذَا شَىْءٌ كُنْتُ أَصَبْتُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " شِرَاكٌ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ ".
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ ـ رضى الله عنهما ـ يُحَدِّثُ قَالَ جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ ـ وَكَانُوا خَمْسِينَ رَجُلاً ـ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ فَقَالَ " إِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ، فَلاَ تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ هَذَا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا هَزَمْنَا الْقَوْمَ وَأَوْطَأْنَاهُمْ فَلاَ تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ " فَهَزَمُوهُمْ. قَالَ فَأَنَا وَاللَّهِ رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ قَدْ بَدَتْ خَلاَخِلُهُنَّ وَأَسْوُقُهُنَّ رَافِعَاتٍ ثِيَابَهُنَّ، فَقَالَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَيْرٍ الْغَنِيمَةَ ـ أَىْ قَوْمِ ـ الْغَنِيمَةَ، ظَهَرَ أَصْحَابُكُمْ فَمَا تَنْتَظِرُونَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرٍ أَنَسِيتُمْ مَا قَالَ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالُوا وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّ النَّاسَ فَلَنُصِيبَنَّ مِنَ الْغَنِيمَةِ. فَلَمَّا أَتَوْهُمْ صُرِفَتْ وُجُوهُهُمْ فَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ، فَذَاكَ إِذْ يَدْعُوهُمُ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ، فَلَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ اثْنَىْ عَشَرَ رَجُلاً، فَأَصَابُوا مِنَّا سَبْعِينَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ أَصَابَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً سَبْعِينَ أَسِيرًا وَسَبْعِينَ قَتِيلاً، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُجِيبُوهُ ثُمَّ قَالَ أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَمَّا هَؤُلاَءِ فَقَدْ قُتِلُوا. فَمَا مَلَكَ عُمَرُ نَفْسَهُ فَقَالَ كَذَبْتَ وَاللَّهِ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، إِنَّ الَّذِينَ عَدَدْتَ لأَحْيَاءٌ كُلُّهُمْ، وَقَدْ بَقِيَ لَكَ مَا يَسُوؤُكَ. قَالَ يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، وَالْحَرْبُ سِجَالٌ، إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ فِي الْقَوْمِ مُثْلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي، ثُمَّ أَخَذَ يَرْتَجِزُ أُعْلُ هُبَلْ، أُعْلُ هُبَلْ. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " أَلاَ تُجِيبُوا لَهُ ". قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَقُولُ قَالَ " قُولُوا اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ ". قَالَ إِنَّ لَنَا الْعُزَّى وَلاَ عُزَّى لَكُمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " أَلاَ تُجِيبُوا لَهُ ". قَالَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَقُولُ قَالَ " قُولُوا اللَّهُ مَوْلاَنَا وَلاَ مَوْلَى لَكُمْ ".
قالَ ابْنُ إسْحاقَ: وحَدَّثَنِي نُبِيُّهُ بْنُ وهْبٍ، أخُو بَنِي عَبْدِ الدّارِ. أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أقْبَلَ بِالأُسارى فَرَّقَهُمْ بَيْنَ أصْحابِهِ، وقالَ: اسْتَوْصُوا بِالأُسارى خَيْرًا. قالَ: وكانَ أبُو عَزِيزٍ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هاشِمٍ، أخُو مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ لِأبِيهِ وأُمِّهِ فِي الأُسارى. قالَ: فَقالَ أبُو عَزِيزٍ: مَرَّ بِي أخِي مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ ورَجُلٌ مِن الأنْصارِ يَأْسِرُنِي، فَقالَ: شُدَّ يَدَيْكَ بِهِ، فَإنَّ أُمَّهُ ذاتُ مَتاعٍ، لَعَلَّها تَفْدِيهِ مِنكَ، قالَ وكُنْتُ فِي رَهْطٍ مِن الأنْصارِ حِينَ أقْبَلُوا بِي مِن بَدْرٍ، فَكانُوا إذا قَدَّمُوا غَداءَهُمْ وعَشاءَهُمْ خَصُّونِي بِالخُبْزِ، وأكَلُوا التَّمْرَ، لِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إيّاهُمْ بِنا، ما تَقَعُ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنهُمْ كِسْرَةُ خُبْزٍ إلّا نَفَحَنِي بِها. قالَ: فَأسْتَحْيِيَ فَأرُدُّها عَلى أحَدِهِمْ [٢]، فَيَرُدُّها عَلَيَّ ما يَمَسُّها.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحاقَ، عَنِ الكَلْبِيِّ، عَنْ أبِي صالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، أنَّ رَسُولَ الله ص قالَ لِلْعَبّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ حِينَ انْتَهى بِهِ إلى المَدِينَةِ: يا عَبّاسُ، افْدِ نَفْسَكَ وابْنَيْ أخِيكَ عَقِيلَ بْنَ أبِي طالِبٍ ونَوْفَلَ بْنَ الحارِثِ، وحِليَفَك عُتْبَةَ بْنَ عَمْرِو بْنِ جَحْدَمٍ، أخا بَنِي الحارِثِ بْنِ فِهْرٍ، فَإنَّكَ ذو مال فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي كُنْتُ مُسْلِمًا، ولَكِنَّ القَوْمَ اسْتَكْرَهُونِي، فَقالَ:
اللَّهُ أعْلَمُ بِإسْلامِكَ، إنْ يَكُنْ ما تَذْكُرُ حَقًّا فاللَّهُ يُجْزِيكَ بِهِ، فَأمّا ظاهِرُ أمْرِكَ فَقَدْ كانَ عَلَيْنا، فافد نفسك- وكان رسول الله ص قَدْ أخَذَ مِنهُ عِشْرِينَ أُوقِيَةٍ مِن ذَهَبٍ- فَقالَ العَبّاسُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، احْسِبْها لِي فِي فِدائِي، قالَ: لا، ذاكَ شَيْءٌ أعْطاناهُ اللَّهُ ﷿ مِنكَ، قالَ: فَإنَّهُ لَيْسَ لِي مالٌ قالَ: فَأيْنَ المالُ الَّذِي وضَعْتَهُ بِمَكَّةَ حَيْث خَرَجْتَ مِن عِنْدِ أُمِّ الفَضْلِ بِنْتِ الحارِثِ، لَيْسَ مَعَكُما أحَدٌ ثُمَّ قُلْتَ لَها: إنْ أُصِبْتُ فِي سَفَرِي هَذا فَلِلْفَضْلِ كَذا وكَذا، ولِعَبْدِ اللَّهِ كَذا وكَذا، ولِقَثْمٍ كَذا وكَذا، ولِعُبَيْدِ اللَّهِ كَذا وكَذا! قالَ: والَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ ما عَلِمَ هَذا أحَدٌ غَيْرِي وغَيْرَها، وإنِّي لأعْلَمُ أنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، فَفَدى العَبّاسُ نَفْسَهُ وابْنَيْ أخِيهِ وحَلِيفَهُ.
حَدَّثَنا ابْنُ حُمَيْدٍ، قالَ: حَدَّثَنا سَلَمَةُ بْنُ الفضل، عَنْ مُحَمَّدٍ، قالَ: وحدثني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبِي بَكْرِ بن مُحَمَّد بن عمرو بن حَزْمٍ، قالَ: كانَ عَمْرُو بْنُ أبِي سُفْيانَ بْنِ حَرْبٍ- وكانَ لابْنَةِ عُقْبَةَ بْنِ أبِي معيط- أسيرا في يدي رسول الله ص مِن أسارى بَدْرٍ، فَقِيلَ لأبِي سُفْيانَ:
افْدِ عَمْرًا، قالَ: أيُجْمَعُ عَلَيَّ دَمِي ومالِي! قَتَلُوا حَنْظَلَةَ وأفْدِي عَمْرًا! دَعُوهُ فِي أيْدِيهِمْ يَمْسِكُوهُ ما بَدا لَهُمْ
(غَسْلُ السُّيُوفِ):
قالَ ابْنُ إسْحاقَ: فَلَمّا انْتَهى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلى أهْلِهِ ناوَلَ سَيْفَهُ ابْنَتَهُ فاطِمَةَ، فَقالَ: اغْسِلِي عَنْ هَذا دَمَهُ يا بنيّة، فو الله لَقَدْ صَدَقَنِي اليَوْمَ، وناوَلَها عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ سَيْفَهُ، فَقالَ: وهَذا أيْضًا، فاغْسِلِي عَنهُ دَمه، فو الله لَقَدْ صَدَقَنِي اليَوْمَ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَئِنْ كُنْتُ صَدَقْتَ القِتالَ لَقَدْ صَدَقَ مَعَكَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وأبُو دُجانَةَ. قالَ ابْنُ هِشامٍ: وكانَ يُقالُ لِسَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
ذُو الفَقارِ [ وكانَ ذُو الفقار سيف العاصِي بن مُنَبّه، فَلَمّا قتل كافِرًا يَوْم بدر صار إلى النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثمَّ جاءَ إلى على بن أبى طالب].
قالَ ابْنُ هِشامٍ: وحَدَّثَنِي بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ، أنَّ ابْنَ أبِي نَجِيحٍ قالَ: نادى مُنادٍ يَوْمَ أُحُدٍ:
لا سَيْفَ إلّا ذُو الفَقارِ، ولا فَتى إلّا عَلِيٌّ
قالَ ابْنُ هِشامٍ: وحَدَّثَنِي بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ لِعَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ: لا يُصِيبُ المُشْرِكُونَ مِنّا مِثْلَها حَتّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْنا. قالَ ابْنُ إسْحاقَ [٦]: وكانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ السَّبْتِ لِلنِّصْفِ مِن شَوّالٍ.
(مُصالَحَةُ الرَّسُولِ أهْلَ خَيْبَرَ):
وحاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أهْلَ خَيْبَرَ فِي حِصْنَيْهِمْ الوَطِيحِ والسُّلالِمِ، حَتّى إذا أيْقَنُوا بِالهَلَكَةِ، سَألُوهُ أنْ يُسَيِّرَهُمْ [١] وأنْ يَحْقِنَ لَهُمْ دِماءَهُمْ، فَفَعَلَ. وكانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ حازَ الأمْوالَ كُلَّها: الشَّقَّ ونَطاةَ والكَتِيبَةَ وجَمِيعَ حُصُونِهِمْ، إلّا ما كانَ مِن ذَيْنِكَ الحِصْنَيْنِ.
(اجْتِماع المُحْتَبَسِينَ إلى أبِي بِصَيْرِ وإيذاؤُهُمْ قُرَيْشًا وإيواءُ الرَّسُولِ لَهُمْ):
ثُمَّ خَرَجَ أبُو بَصِيرٍ حَتّى نَزَلَ العِيصَ، مِن ناحِيَةِ ذِي المَرْوَةِ، عَلى ساحِلِ البَحْرِ، بِطَرِيقِ قُرَيْشٍ الَّتِي كانُوا يَأْخُذُونَ عَلَيْها إلى الشّامِ، وبَلَغَ المُسْلِمِينَ الَّذِينَ كانُوا اُحْتُبِسُوا بِمَكَّةَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأبِي بِصَيْرِ: «ويْلُ أُمِّهِ مِحَشَّ حَرْبٍ لَوْ كانَ مَعَهُ رِجالٌ!، فَخَرَجُوا إلى أبِي بِصَيْرِ بِالعِيصِ، فاجْتَمَعَ إلَيْهِ مِنهُمْ قَرِيبٌ مِن سَبْعِينَ رَجُلًا، وكانُوا قَدْ ضَيَّقُوا عَلى قُرَيْشٍ، لا يَظْفَرُونَ بِأحَدِ مِنهُمْ إلّا قَتَلُوهُ، ولا تَمُرُّ بِهِمْ عِيرٌ إلّا اقْتَطَعُوها، حَتّى كَتَبَتْ قُرَيْشٌ إلى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَسْألُ بِأرْحامِها إلّا آواهُمْ، فَلا حاجَةَ لَهُمْ بِهِمْ. فَآواهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَدِمُوا عَلَيْهِ المَدِينَةَ.
قالَ ابْنُ هِشامٍ: أبُو بِصَيْرِ ثَقَفِيٌّ.
(أرادَ سُهَيْلٌ ودْيَ أبِي بِصَيْرِ وشِعْرُ مَوْهَبٍ فِي ذَلِكَ):
قالَ ابْنُ إسْحاقَ: فَلَمّا بَلَغَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو قَتْلُ أبِي بَصِيرٍ صاحِبَهُمْ العامِرِيَّ، أسْنَدَ ظَهْرَهُ إلى الكَعْبَةِ، ثُمَّ قالَ: واَللَّهِ لا أُؤَخِّرُ ظَهْرِي عَنْ الكَعْبَةِ حَتّى يُودِيَ هَذا الرَّجُلُ، فَقالَ أبُو سُفْيانَ بْنُ حَرْبٍ: واَللَّهِ إنّ هَذا لَهُوَ السَّفِهُ، واَللَّهِ لا يُودى (ثَلاثًا)
(مَنُّ الرَّسُولِ عَلى هَوازِنَ):
ثُمَّ أتاهُ وفْدُ هَوازِنَ بِالجِعْرانَةِ، وكانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِن سَبْيِ هَوازِنَ سِتَّةُ آلافٍ مِن الذَّرارِيِّ والنِّساءِ، ومِن الإبِلِ والشّاءِ ما لا يُدْرى ما عِدَّتُهُ.
ثُمَّ اقبل رسول الله ص قافِلًا إلى المَدِينَةِ، فاحْتَمَلَ مَعَهُ النَّفْلَ الَّذِي أُصِيبَ مِنَ المُشْرِكِينَ، وجَعَل عَلى النَّفْلِ عَبْدَ الله بن كعب بن زيد ابن عَوْفِ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مازِنِ بن النجار ثم اقبل رسول الله ص حَتّى إذا خَرَجَ مِن مَضِيقِ الصَّفْراءِ، نَزَلَ عَلى كَثِيبٍ بَيْنَ المَضِيقِ وبَيْنَ النّازية- يقال له سير- إلى سرحة به، فَقَسَّمَ هُنالِكَ النفل الَّذِي أفاءَ اللَّهُ عَلى المُسْلِمِينَ مِنَ المُشْرِكِينَ عَلى السَّواءِ، واسْتَقى لَهُ مِن ماءٍ بِهِ يُقالُ لَهُ الأرْواقُ.
ثُمَّ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللَّهِ ص حَتّى إذا كانَ بِالرَّوْحاءِ، لَقِيَهُ المُسْلِمُونَ يُهَنِّئُونَهُ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ ومَن مَعَهُ مِنَ المُسْلِمِينَ، فَقالَ سَلَمَةُ بْنُ سَلامَةَ بْنِ وقْشٍ- كما حَدَّثَنا ابْنُ حُمَيْدٍ، فَقالَ: حَدَّثَنا سَلَمَةُ، قالَ:
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحاقَ، كَما حَدَّثَنِي عاصم بن عمر بن قتادة، ويزيد بن رومان: وما الذى تهنئون به! فو الله إنْ لَقِينا إلّا عَجائِزَ صُلْعًا كالبُدْنِ المُعْقَلَةِ، فنحرناها فتبسم رسول الله ص، وقال: يا بن أخِي، أُولَئِكَ المَلَأُ قالَ: ومَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص الأُسارى مِنَ المُشْرِكِينَ وكانُوا أرْبَعَةً وأرْبَعِينَ أسِيرًا، وكانَ مِنَ القَتْلى مِثْلَ ذَلِكَ- وفِي الأُسارى عُقْبَةُ بْنُ أبِي مُعَيْطٍ، والنَّضْرُ بْنُ الحارِثِ بْنِ كِلْدَةَ- حَتّى إذا كانَ رَسُولُ اللَّهِ ص بِالصَّفْراءِ، قُتِلَ النَّضْرُ بْنُ الحارِثِ، قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ ﵁.
وقالَ الواقدي: فِي هَذِهِ السَّنَةِ- فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الآخِرِ منها- بعث رسول الله ص عُكاشَةَ بْنَ مِحْصَنٍ فِي أرْبَعِينَ رَجُلا إلى الغَمْرِ، فِيهِمْ ثابِتُ بْنُ أقْرَمَ وشُجاعُ بْنُ وهْبٍ، فَأغَذَّ السَّيْرَ، ونَذَرَ القَوْمُ بِهِ فَهَرَبُوا، فَنَزَلَ عَلى مِياهِهِمْ وبَعَثَ الطَّلائِعَ، فَأصابُوا عَيْنًا فَدَلَّهُمْ عَلى بَعْضِ ماشِيَتِهِمْ، فَوَجَدُوا مِائَتَيْ بَعِيرٍ، فَحَدَرُوها إلى المَدِينَةِ
الجزء الثالث
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ذِكْرُ الأحْداثِ الكائِنَةِ فِي
سَنَةِ سَبْعٍ مِنَ الهِجْرَةِ
غَزْوَةُ خَيْبَرَ
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ، فخرج رسول الله ص فِي بَقِيَّةِ المُحَرَّمِ إلى خَيْبَرَ واسْتَخْلَفَ عَلى المَدِينَةِ سِباعَ بْنَ عُرْفُطَةَ الغِفارِيَّ، فَمَضى حَتّى نَزَلَ بِجَيْشِهِ بِوادٍ يُقالُ لَهُ الرَّجِيعُ، فَنَزَلَ بَيْنَ أهْلِ خَيْبَرَ وبَيْنَ غَطَفانَ- فِيما حَدَّثَنا ابن حميد قال: حَدَّثَنا سلمة، عن ابن إسْحاقَ- لِيَحُولَ بَيْنَهُمْ وبَيْنَ أنْ يُمِدُّوا أهْلَ خَيْبَرَ، وكانُوا لَهُمْ مُظاهِرِينَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ص.
قالَ: فَبَلَغَنِي أنَّ غَطَفانَ لَمّا سَمِعَتْ بِمَنزَلِ رسول الله ص مِن خَيْبَرَ، جَمَعُوا لَهُ، ثُمَّ خَرَجُوا لِيُظاهِرُوا يَهُودَ عَلَيْهِ، حَتّى إذا سارُوا مَنقَلَةً سَمِعُوا خَلْفَهُمْ فِي أمْوالِهِمْ وأهالِيهِمْ حِسًّا، ظَنُّوا أنَّ القوم قد خالفوا إلَيْهِمْ، فَرَجَعُوا عَلى أعْقابِهِمْ، فَأقامُوا فِي أهالِيهِمْ وأمْوالِهِمْ، وخَلَّوْا بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ وبَيْنَ خَيْبَرَ، وبدا رسول الله ص بِالأمْوالِ يَأْخُذُها مالا مالا، ويَفْتَتِحُها حِصْنًا حِصْنًا، فَكانَ أوَّلَ حُصُونِهِمُ افْتُتِحَ حِصْنُ ناعِمٍ، وعِنْدَهُ قُتِلَ مَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ، أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ رَحًا مِنهُ فَقَتَلَتْهُ، ثُمَّ القَمُوصُ، حِصْنُ ابْنِ أبِي الحقيق وأصاب رسول الله ص مِنهُمْ سَبايا، مِنهُمْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أخْطَبَ وكانَتْ عِنْدَ كِنانَةَ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ أبِي الحُقَيْقِ، وابْنَتَيْ عَمٍّ لَها فاصْطَفى رَسُولُ الله ص صَفِيَّةَ لِنَفْسِهِ، وكانَ دِحْيَةُ الكَلْبِيُّ قَدْ سَألَ رسول الله صَفِيَّةَ، فَلَمّا اصْطَفاها لِنَفْسِهِ أعْطاهُ ابْنَتَيْ عَمِّها، وفَشَتِ السَّبايا مِن خَيْبَرَ فِي المُسْلِمِينَ قال: ثم جعل رسول الله ص يَتَدَنّى الحُصُونَ والأمْوالَ.
حَدَّثَنا ابْنُ حُمَيْدٍ، قال: حَدَّثَنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي بَكْرٍ، أنَّهُ حَدَّثَهُ بَعْضُ أسْلَمَ، أنَّ بَنِي سَهْمٍ مِن أسْلَمَ، أتوا رسول الله ص، فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، واللَّهِ لَقَدْ جَهِدْنا وما بِأيْدِينا شَيْءٌ، فَلَمْ يَجِدُوا عِنْدَ رَسُولِ الله شَيْئًا يُعْطِيهِمْ إيّاهُ، [فَقالَ النَّبِيُّ:
اللَّهُمَّ إنَّكَ قَدْ عَرَفْتَ حالَهُمْ، وأنْ لَيْسَتْ بِهِمْ قُوَّةٌ، وأنْ لَيْسَ بِيَدِي شَيْءٌ أُعْطِيهِمْ إيّاهُ، فافْتَحْ عَلَيْهِمْ أعْظَمَ حُصُونِها، أكْثَرَها طَعامًا ووَدَكًا] فَغَدا النّاسُ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ حِصْنَ الصَّعْبِ بْنِ مُعاذٍ، وما بِخَيْبَرَ حِصْنٌ كانَ أكْثَرَ طَعامًا ووَدَكًا مِنهُ.
قالَ: ولَمّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ ص مِن حُصُونِهِمْ ما افْتَتَحَ، وحازَ مِنَ الأمْوالِ ما حازَ، انْتَهَوْا إلى حِصْنِهِمْ الوَطِيحِ والسَّلالِمِ- وكانَ آخِرَ حُصُونِ خَيْبَرَ افْتُتِحَ- حاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً.
ذكر الخبر عن غزوه رسول الله ص هَوازِنَ بِحُنَيْنٍ
وكانَ مِن أمْرِ رَسُولِ اللَّهِ ص وأمْرِ المُسْلِمِينَ وأمْرِ هَوازِنَ ما حَدَّثَنا عَلِيُّ بْنُ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ وعَبْدُ الوارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الوارِثِ- قالَ عَلِيٌّ: حَدَّثَنا عَبْدُ الصَّمَدِ، وقالَ عَبْدُ الوارِثِ: حَدَّثَنا أبِي- قالَ: حَدَّثَنا أبانُ العَطّارُ، قالَ: حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، قالَ:
اقام النبي ص بِمَكَّةَ عامَ الفَتْحِ نِصْفَ شَهْرٍ، لَمْ يَزِدْ على ذلك، حتى جاءت هوازن وثقيف، فنزلوا بِحُنَيْنٍ- وحُنَيْنٌ وادٍ إلى جَنْبِ ذِي المَجازِ- وهم يومئذ عامدون يريدون قتال النبي ص، وكانُوا قَدْ جَمَعُوا قَبْلَ ذَلِكَ حِينَ سَمِعُوا بِمَخْرَجِ رَسُولِ اللَّهِ مِنَ المَدِينَةِ، وهُمْ يَظُنُّونَ أنَّهُ إنَّما يُرِيدُهُمْ حَيْثُ خَرَجَ مِنَ المَدِينَةِ، فَلَمّا أتاهُمْ أنَّهُ قَدْ نَزَلَ مَكَّةَ، أقْبَلَتْ هوازن عامدين الى النبي ص، وأقْبَلُوا مَعَهُمْ بِالنِّساءِ والصِّبْيانِ والأمْوالِ- ورَئِيسُ هَوازِنَ يَوْمَئِذٍ مالِكُ بْنُ عَوْفٍ أحَدُ بَنِي نَصْرٍ- واقبلت معهم ثقيف، حتى نزلوا حنينا يريدون النبي ص، فَلَمّا حُدِّثَ النَّبِيُّ وهُوَ بِمَكَّةَ أنْ قَدْ نَزَلَتْ هَوازِنُ وثَقِيفٌ بِحُنَيْنٍ، يَسُوقُهُمْ مالِكُ بْنُ عَوْفٍ أحَدُ بَنِي نَصْرٍ- وهُوَ رَئِيسُهُمْ يَوْمَئِذٍ- عمد النبي ص حَتّى قَدِمَ عَلَيْهِمْ، فَوافاهُمْ بِحُنَيْنٍ، فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ ﷿، وكانَ فِيها ما ذَكَرَ اللَّهُ ﷿ فِي الكِتابِ، وكانَ الَّذِي ساقُوا مِنَ النِّساءِ والصِّبْيانِ والماشِيَةِ غَنِيمَةً غَنَمَها اللَّهُ ﷿ رَسُولَهُ، فَقَسَمَ أمْوالَهُمْ فِيمَن كانَ أسْلَمَ مَعَهُ مِن قُرَيْشٍ.
قالَ: وكانَ فِي الأُسارى أبُو وداعَةَ بْنُ ضُبَيْرَةَ السَّهْمِيُّ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: إنَّ لَهُ ابْنًا تاجِرًا كَيِّسًا ذا مالٍ، وكَأنَّكُمْ بِهِ قَدْ جاءَكُمْ فِي فِداءِ أبِيهِ! قالَ: فَلَمّا قالَتْ قُرَيْشٌ: لا تَعْجَلُوا فِي فِداءِ أُسَرائِكُمْ لا يَتَأرَّبُ عَلَيْكُمْ مُحَمَّدٌ وأصْحابُهُ، قالَ المُطَّلِبُ بْنُ أبِي وداعَةَ- وهُوَ الَّذِي كان رسول الله ص عَنى-: صَدَقْتُمْ، لا تَعْجَلُوا بِفِداءِ أُسَرائِكُمْ ثُمَّ انْسَلَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَدِمَ المَدِينَةَ، فَأخَذَ أباهُ بِأرْبَعَةِ آلافِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِ، ثُمَّ بَعَثَتْ قُرَيْشٌ فِي فِداءِ الأُسارى، فَقَدِمَ مكرز بن حفص ابن الأخْيَفِ فِي فِداءِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وكانَ الَّذِي أسَرَهُ مالِكُ بْنُ الدُّخْشُمِ، أخُو بَنِي سالِمِ بْنِ عَوْفٍ، وكانَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو أعْلَمَ مِن شَفَتِهِ السُّفْلى.
ثُمَّ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ص سَعْدَ بْنَ زَيْدٍ الأنْصارِيَّ، خا بَنِي عَبْدِ الأشْهَلِ بِسَبايا مِن سَبايا بَنِي قُرَيْظَةَ إلى نَجْدٍ، فابْتاعَ لَهُ بِهِمْ خيلا وسلاحا، وكان رسول الله ص قَدِ اصْطَفى لِنَفْسِهِ مِن نِسائِهِمْ رَيْحانَةَ بِنْتَ عمرو بن خنافه إحْدى نِساءِ بَنِي عَمْرِو بْنِ قُرَيْظَةَ، فَكانَتْ عند رسول الله ص حَتّى تُوُفِّيَ عَنْها وهِيَ فِي مِلْكِهِ، وقَدْ كان رسول الله ص عَرَضَ عَلَيْها أنْ يَتَزَوَّجَها، ويَضْرِبَ عَلَيْها الحِجابَ، فَقالَتْ: يا رَسُولَ اللَّهِ، بَلْ تَتْرُكَنِي فِي مِلْكِكَ فَهُوَ أخَفُّ عَلَيَّ وعَلَيْكَ فَتَرَكَها، وقَدْ كانت حين سباها رسول الله ص قَدْ تَعَصَّتْ بِالإسْلامِ، وأبَتْ إلا اليَهُودِيَّةَ، فَعَزَلَها رسول الله ص ووَجَدَ فِي نَفْسِهِ لِذَلِكَ مِن أمْرِها، فَبَيْنا هُوَ مَعَ أصْحابِهِ إذْ سَمِعَ وقْعَ نَعْلَيْنِ خَلْفَهُ، فَقالَ: إنَّ هَذا لَثَعْلَبَةُ بْنُ سَعْيَةَ يُبَشِّرُنِي بِإسْلامِ رَيْحانَةَ، فَجاءَهُ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أسْلَمَتْ رَيْحانَةُ، فَسَرَّهُ ذَلِكَ.
محمد يأخذ عشيرته في الأسر
فَلَمّا انْقَضى أمْرُ بَدْرٍ، أنْزَلَ اللَّهُ ﷿ فِيهِ مِنَ القُرْآنِ الأنْفالَ بِأسْرِها حَدَّثَنا أحْمَدُ بْنُ مَنصُورٍ، قالَ: حَدَّثَنا عاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، قالَ:
حَدَّثَنا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمّارٍ، قالَ: حَدَّثَنا أبُو زَمِيلٍ، قالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الله بن عباس، حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ، قالَ: لَمّا كانَ يَوْمُ بَدْرٍ التَقَوْا، فَهَزَمَ اللَّهُ المُشْرِكِينَ، فَقُتِلَ مِنهُمْ سَبْعُونَ رَجُلا، وأُسِرَ سَبْعُونَ رَجُلا، فَلَمّا كان يومئذ شاور رسول الله ص أبا بَكْرٍ وعَلِيًّا وعُمَرَ، فَقالَ أبُو بَكْرٍ: يا نَبِيَّ اللَّهِ، هَؤُلاءِ بَنُو العَمِّ والعَشِيرَةِ والإخْوانِ، فَإنِّي أرى أنْ تَأْخُذَ مِنهُمُ الفِدْيَةَ، فَيَكُونُ ما أخَذْنا مِنهُمْ قُوَّةً، وعَسى اللَّهُ ان يهديهم، فيكونوا لنا عضدا فقال رسول الله ص: ما ترى يا بن الخَطّابِ؟ قالَ: قُلْتُ: لا واللَّهِ، ما أرى الَّذِي رَأى أبُو بَكْرٍ، ولَكِنِّي أرى أنْ تُمَكِّنَنِي مِن فُلانٍ فَأضْرِبُ عُنُقَهُ، وتُمَكِّنَ حَمْزَةَ مِن أخٍ لَهُ فَيَضْرِبُ عُنُقَهُ، وتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِن عَقِيلٍ فَيَضْرِبُ عُنُقَهُ، حَتّى يَعْلَمَ اللَّهُ أنْ لَيْسَ فِي قُلُوبِنا هَوادَةٌ لِلْكُفّارِ، هَؤُلاءِ صَنادِيدُهُمْ وقادَتُهُمْ وأئِمَّتُهُمْ.
مصادر دخل محمد
عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم جعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري